لا أعرف كيف يعيش الإنسان أو الحيوان أو حتى حشرة ما بدون قلب ، لكن واحدا” من هؤلاء الثلاثة يستطيع ذلك ؟ !وعليه تظل المواسم موسومة بأصحابها ، فهناك موسم هجرة الطيور ، و موسم الذباب و موسم البرغش و موسم الجراد و موسم النمل ، و على هذه الوتيرة يكون موسم الصراصير ، و الأخيرة لا تملك قلباً ، تملك فقط أنابيب ضاغطة تحرك الدورة الدموية بكلا الاتجاهين ، وهذه الميزة تجعلها لا تعرف شيئاً يدعى التعب أو ضعف اللياقة ، ورغم ذلك لا تمانع من الهجوع لأشهر في المناطق الشحيحة ، و لربما هذا الهجوع متأت من دافع تغيير البيئة أو حتى تجربة بيئة أخرى ، تراها أفضل من بيئتها الأبدية خصوصا” و أن لديها إمكانية لذلك ، فمبقدور أو إستطاعة الصرصور أن يعيش حيا” بدون رأس لمدة اسبوع إلى ثلاث أسابيع ! .
و من أعلاه فإن الصرصور ، يعيش في بيئته الأثيرة ، و المتمثلة في مجاري و حاويات ( بلاليع ) الصرف الصحي ، فهو مهما خرج منها ، لدواع إستثنائية أو مرحلية ، أو بفعل دورة زمن شاذة أو خرجت عن مسارها الطبيعي ، و أختار مسارا” خارجا” عن بيئته ، فإن رجوعه مهما طال أو قصر ، يكون بلاليع و مجاري و حاويات الصرف الصحي .
لذلك فإن الصراصير مهما عظم شأنها يوما” و بفعل دورة الزمن الخاطئة مثلما أسلفنا ، تعود بلا ريب الى حاضنتها و مأواها البلاليع ، و هذا ما ينطبق على مستوطني المنطقة الخضراء ، لكونهم يخضعون الى هذا التشابه ، بل أن الصرصور لا يتحدد بدور السياسي و حسب ، و إنما يتخذ أدوارا” عدة : كالفنان و الأديب و العيار و المنافق .. و القائمة تطول بمن يؤدي دور الصرصور ، من حيثية تقاربية إن لم نقل واقعية ، فهناك الكثير من البشر و من مختلف الإتجاهات المهنية و السلوكية ، كانوا صراصير في الحياة ، و إن تعددت أو إختلفت المصالح و المنافع و الأدوار .
و لهذا ، فإن مستوطني المنطقة الخضراء ، تنطبق عليهم تسمية الصراصير قلبا” و قالبا” ، لكونهم جغرافيا” و منبتا” ، ليسوا من أهلها أولا” ، و ثانيا” جاؤوا من مخلفات عرقية غير عراقية حتى لو أرتدوا لبوس المذهب أو الطائفة ، لكون منطقة الشاكرية سابقا” و كرادة مريم لاحقا” ، و بعدما أسماها الأميركان ( المنطقة الخضراء ) ، ستلفظهم في نهاية المطاف ، لكونها ليس بيئتهم أو هم سيغادروها حتما” ، الى حيث البيئة ( البلاليع ) التي ولدوا فيها و تغذوا من قاذوراتها و أوحالها ، و هو المكان و الملاذ الطبيعي لهم في كل الأحوال .
ترى الصرصور يخرج من البلوعة ، و يتسلق الى أعلى الجدران ، و يختبيء في الشقوق الضيقة جدا” ، و مع ذلك لن يكون بمقدوره المكوث طويلا” فيها ، لكونه يحتاج الى غذائه المحبب و ( اللذيذ ) بالنسبة إليه ، و هذا الغذاء لن يجده سوى في البلاليع ! ، و بالتالي كيف يتسنى لمنطقة حباها الله بالنوم على ضفاف دجلة ، أن تكون محل إقامة لهؤلاء المستوطنين و لا أقول الصراصير ؟ .
وعليه فإن الصرصور مهما إتخذ له محلا” جميلا” و راقيا” لبرهة زمنية طارئة ، لا بد له أن يعود الى قاذوراته ( البلاليع ، و الى صريره ، أي الى صوته المقرف و المثير الى الإشمئزاز ، و هذا الصرير أو الصرصرة ، دلالة على طبيعة جنسهم الحشرية ، فهم في السلوك و التعامل يظلون حشرة ، حتى لو تظاهروا بمظهر و دور الإنسان ، فمن الممكن أن يؤدي الحيوان دور الإنسان ، بيد أن هذا الأمر لا يطول ، إلا لفترة وجيزة في الحساب الزمني ، كأن تكون هذه الفترة ، عقدين من الزمن أو أكثر .
إذا” ، الصرصور مهما مكث في الأماكن النظيفة يوما” ، لا بد أن يجرفه الحنين الى البلاليع ، و هذا موقعهم التليد ، فإذا سمعنا صرصرة أو صوتا” من صرصور ، كشاكلة علي التميمي ( أبو شيماء ) أو الصرصور السمج جواد الشكرجي يوما” ، فهذا إعلام و بلاغ منهما ، على عودتهم الى المستنقع الذي نموا و ترعرعوا فيه ، و الدليل أين موقعهما الآن ، بالنسبة للأول سياسيا” ، و الآخر فنيا” ، بلا شك هو الحضيض !