زهير الجبوري لا شك انَّ لأدب الأطفال ميزات ثقافية خاصة ، تنطوي على فعل المغامرة في تناول عقلية في طور النمو والنضوج ، بخاصة اذا ما علمنا بأن اصحاب الشأن من المختصين يصفونه بـ(عالم الأطفال) ، وبكل ما جاءت به من حياة (لا متمركزة) فإن فعل الاغواء بالسلوكيات الحياتية ، ينتج عالما من الابداع والفن والابتكار العفوي ، وهذا ما ساهم في اعطاء نوع من انواع التصنيف للحياة المنتجة للطفل ( حياة الابداع ../ الأدب ../ الفنون الأخرى .. )، ما دفع الكثير من الأسماء في الدخول الى هذا العالم والامساك بصميم هذا الابداع من خلال البحث والتقصي ، ما اثارني في ذلك صدور كتاب الأستاذ الدكتور حسام الجمل (موسوعة أدب الأطفال /2016)، والذي جاء في (6) فصول ، انطوت على جوانب علمية بحتة ، تناول خلالها الدكتور الجمل المراحل التعريفية والاساسية في تعريف ادب الاطفال وموازنته مع ادب الكبار ، ولعل فعل التوازن والتناظر بين الأداء الثقافي /الأدبي لعالم الأبداع للذهنية الكبيرة والذهنية التي في طور التكوين ، تكشف عن دلالات علمية واسعة في مجالات علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأنثرويوجيا ، وكلها تعتمد الجانب التحليلي ، ومن هذا المنطلق يقف التحليل الأكاديمي بكل توجهاته وقفة دقيقة في الوصول الى نتائج في غاية الدقة مثلما فعل الأستاذ الدكتور حسام عبد علي الجمل في موسوعته (ادب الأطفال)، فكانت فصول الكتاب تراتبية بشكل منتظم ، حيث الفصل الأول في مدخله (ما أدب الأطفال..؟)، والفصل الثاني (نشأته وتطوره) والثالث (القصة في ادب الأطفال) والرابع (أعلام الأطفال) والخامس (السينما) والسادس (صحافة الأطفال) ، كلها انطوت على جوانب تحليلية وافية من حيث التحليل العلمي واستخدام المصادر. كما ان كتاب (موسوعة ادب الأطفال) ، بما جاء فيه من علمية دقيقة وشاملة ، يمكن ان يعتمد كمصدر في الدرس الأكاديمي ، إذ سبق ان قام بتدريس المادة هذا الأستاذ (الجمل) في احدى الجامعات العراقية (جامعة بابل / كلية التربية الأساسية) ، وقد اشار الى ذلك في مقدمته مبيناً قوله (أرجو ان يستفيد منه طلاب المرحلة الرابعة في اقسام اللغة العربية من طلاب كلية التربية الاساسية)(ص7)..لأنه يدخل في صميم الموضوعات العلمية التي تدرس ، واحسب انه جهد ليس علميا/ اكاديميا فحسب ، انما ثقافيا / معرفيا ، يأخذ على كل من قرأه الاستفادة منه وجعله مرجعاً ، بخاصة اذا ما علمنا مدى اهمية هذه الموضوعة ومدى حساسية الغور في تفاصيلها ، بل ان المجتمعات ـ الكبرى خاصة ـ تكرس جهداً كبيرا في خلق هذا العالم (عالم الطفولة) ، للنهوض به نهوضاً سليماً وصحيحاً ، مهما كانت اضطرابات الواقع وتمظهراته السياسية وانفعالاته المدمرة وانعكاسات (الميديا)، وكل ما تأتي به من نتائج مصيرية . واشار المؤلف في احدى عتباته الموضوعية المعنونة بـ(أهمية أدب الأطفال) للدور المهم في نمو وتكامل موهبته مبيناً ان (لأدب الأطفال فن الحياة ، فالطفل عند مشاهدته مشكلة او عقدة في قصة او صراع في مسرحية ، غالباً ما يتفاعل مع المواقف ويقلد أساليب التفكير وسلوك الأفراد الذين أعجب بهم ، يعتنق قيمهم واتجاهاتهم ..)(ص16).، وهي اشارة دقيقة في تكريس وتشخيص توجهات الطفل وهو في طور التكوين ، اننا ازاء ما نلمسه من نتائج بحثية وعلمية ـ كما في المنجز الذي امامنا ـ فقد أخذ هذا المجال في جانبه التنظيري في راهننا الاجتماعي الحاضر ، بمعنى غياب المؤسسة في العمل على تطبيق ما يحتاجه عالم الطفل من مستلزمات اساسية مدروسة ، مثلما اشتغلت عليه مجتمعات اخرى وجاءت بنتائج طيبة ، نتائج خلقت اجيالا سليمة ، استنهضت خلالها ثقافة الانسان بمكوناته العقلية والذهنية لأن يكون أكثر فاعلية في مجتمعه او في المجتمعات كافة . ما يثير الانتباهة في الجهد الذي قدمه المؤلف ، هو قراءة واقع الطفل من جوانب تكوينه البيئي واكتساباته العميقة للألفاظ التي يتعلمها من الواقع ، ومن ثم معالجة الأخطاء من خلال وضع بعض الحلول ، وهذه جاءت عبر استنتاجات علمية ، منها ما يتعلق بالسياق اللّغوي (أعني اللّغة المحكية الشفاهية المتداولة)، ثم بعدها كشف المؤثرات الفنية في (الميديا)، كالسينما والمسرح ووسائل المرئيات والمسموعات الأخرى ، كلها ساهمت في اعطاء كشف واضح لواقع الطفل ، ولعل هذا التركيز الدقيق للموضوعة المتناولة ، أفاض على المتلقي عملية استنهاض عالم الطفل وتقديمه بالشكل الذي يجعلنا ندرك اهمية الغور في عالمه الاشكالي . ايضاً كانت هناك تحليلات لبعض النصوص الشعرية او الأدبية بشكل عام ، تناولها المؤلف وهي ترجع الى اسماء ادبية من اجيال سابقة ، تمنيت لو كانت هناك نصوص معاصرة لأسماء تكتب في ادب الأطفال ، لأن النتاج الابداعي الذي يكتبه الشاعر او القاص او الحكاء ، يختلف من مرحلة الى اخرى ، وفق التحولات الزمنية والمؤثرات الحاصلة عليه ، والتقانات الفنية وتحولاتها الكبيرة ، وما الى ذلك من امور تنصب في هذا الميدان .