نحن والصورة

نحن والصورة
آخر تحديث:

أمجد ياسين

صورتنا هي ما يراه الآخر فينا وليس مانراه في المرآة. فالثانية خادعة، نشترك نحن بصناعتها، ومهما سعينا الى تلميعها ووضعها في اطار جميل لا بد ان يقفز الانا المخبأ فينا اليها، بينما الاولى حقيقية، تعكس الكثير من شخصيتنا، وهي مجس حقيقي لعلاقتنا بالاخر وكيفية تشكل هذه العلاقة. هذه الصورة او العلاقة بين الانسان وحقيقته كانت حاضرة بقوة ليل الجمعة 24 كانون الأول 2016 في حفل الفرقة السيمفونية العراقية. فكان ان نلحظ الكثير من العلاقات- الصور المتباينة بين الجمهور قبل واثناء وبعد الحفل، او بين الجمهور والفرقة السيمفونية، او بين المايسترو وعصاه الدقيقة التي تنتقل بالنغم من محطة الى اخرى وبين اعضاء الفرقة نفسها، او بين المسؤولين وعلاقتهم بالموسيقى.. كثيرة هي الصور التي تستطيع ان تخرج بها وانت تستمع للمقطوعات الموسيقية التي عزفتها الفرقة وتحديدا لموسيقى تشايكوفسكي المحملة بلمسات حزن شفيف بالرغم من مقدار الحب والانتقالات السريعة فيها وكأنها رقصة لاقدام آلاف العناكب الصغيرة.

ولنا ان ناخذ بعضا من هذه الصور والمواقف، الاولى، بين الجمهور والموسيقى وتحديدا الفرقة السيمفونية العراقية، هي علاقة غير طبيعية كحكايات الجدات، عندما يجلس الجميع صمتا وعيونهم مفتحة بانتظار كلمات جديدة تعمق الهوة بينهم والواقع، والقضية لا تحتاج الى كثير من الشرح او التأويل، احضروا حفلات الفرقة السيمفونية وستلمسون هذه الحقيقة، فالموسيقى تسحبنا من واقع خرافي الى آخر  يشحننا بطاقة لاحتمال واقعنا الاول فينسيناه لبعض الوقت، وبينهما تكمن صورتنا الحقيقية، الى اين تميل اكثر؟ هذا هو نحن، والسؤال الذي نردده باستغراب عن تشظي صورنا.

الصورة الاخرى كانت لعائلة حضرت فيها اجيال عدة الجد والجدة والابن والاحفاد، ترى مالذي جمع بين هذه الاعمار المختلفة؟ وكل له صورته الخاصة وحقيقته، ليس صعبا القول انها الموسيقى، ولكن قبل ذلك هي الثقافة  التي جمعت هؤلاء، فمنهم بحكم التاريخ والزمن قد اكتشف الموسيقى ونقلها الى الجيل الثاني وهكذا، ولكن هل يتذوقون الموسيقى بالطريقة ذاتها بالرغم من هدوئهم وتفاعلهم مع ما قدم؟ اعتقد انه موضوع يحتاج الى مقال آخر يذهب بنا الى علم النفس وسايكلوجية الفرد والمجتمع .. يمكنني القول ان الجيل الاخير- الاحفاد هم اقرب الى صورتهم الحقيقية الان من جيل الاباء والاجداد .

بعض الصور قد تبدو مستحيلة كفكرة ولكننا عندما نراها نصدقها اكثر مما لو رويت او فكرنا فيها. صورة اخرى كانت لاحد المسؤولين، وهو يجلس في مقاعد الجلوس المخصصة للشخصيات المهمة، وبالتاكيد لم يدفع فلسا واحدا ثمنا لبطاقة الدخول التي احتشد الجمهور للحصول عليها، وما ان بدأ الحفل، اخذ يقلب بهاتفه النقال، وانتقل للحديث مع من يجلس بجانبه، ثم عاد واتصل من هاتفه، ثم احس بالعطش، ولما لا فالمسؤول يعطش ايضا، فأومأ الى احد افراد حمايته بفتح قنينة الماء ، ليشرب منها على مهل، ويومئ مرة اخرى لهذا المسكين ان يرجع غطاء القنينة وياخذها منه ويضعها على الطاولة امامه. هي صورة اخرى من صور كثيرة تمر علينا في الشارع والمسرح والسينما والملتقيات ..لم تنفع البدلة الجميلة والحماية واسطول السيارات والمناسبة من اخفاء الانا المختبئة لتظهر لنا. الصورة ليست ما نرسم او نصنع، الصورة هي نحن.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *