بالإضافة إلى النظامين السابقين ( الرئاسي والبرلماني ) هناك نظام ثالث أشبه بالنظام المختلط ، الذي يجمع بين الديمقراطية النيابية والديمقراطية شبه المباشرة إستثناءً ، من قبيل الإستفتاء الشعبي المباشر في حالات معينة ، وهو النظام الذي تتبناه ” فرنسا ” وعدد لا بأس به من الدول .
ثمة نظام رابع محدود غير معروف ولا واسع الانتشار ، ألا وهو نظام حكومة الجمعية النيابية ، الذي تعمل به ” سويسرا ” كدولة محايدة ، وفيه تنعدم المساواة وحالة التوازن بين السلطتين ( التشريعية والتنفيذية ) وتكون العلوية للسلطة التشريعية ، ولها الهيمنة والسيطرة الكاملتين على السلطة التنفيذية ( الحكومة ) .
ما يتعلق بأنظمة الدول العربية ، لا سيما الدول الثورية منها ، وبدعوى عدم تقليد الغرب والاستعمار والإمبريالية العالمية ، لا بل ولا حتى تقليد ” فرنسا ” باعتبارها شريك بريطانيا في ” سايكس – بيكو ” ومستعمرِة سابقة لدول شمال أفريقيا ، ابتدعت هذه الدول ( العربية الثورية ) نظاماً خاصاً بها ، نظاماً رئاسياً مطعَّماً ببرلمان صوَري ، وحكومة يرأسها رئيس وزراء يشتغل موظفاً عند السيد رئيس الجمهورية . مثل : مصر ، سوريا ، اليمن ، السودان ، تونس . لكن هذه الدول حصلت فيها ثورات شعبية مؤخراً ، أدت إلى تغيير دساتيرها الآن ، سواء تلك التي أطاحت بحكوماتها ، أو لم تُطِح . وأما العراق فقصته قصة !
العراق الملكي ( 1921 – 1958 م ) :
النظام الذي حكم ذلك العهد هو نظام برلماني ، بيد أن للملك فيه صلاحيات واسعة .
لسنا هنا في وارد الدخول في الجزئيات والتفصيلات ، المساوئ والمحاسن ، الإشادة بالنظام أو الإساءة إليه .. إنما نحن في وارد التوصيف العام ، لكي تكون هناك فكرة عن شكل نظام الحكم . أما مَنْ يريد أن يبحث عن الجزئيات والتفصيلات فعليه أن يذهب إلى المصادر التاريخية ويبحث وينقِّب .
في السنة التالية لتتويج الملك ” فيصل الأول ” 1921 م ( رحمه الله ) شكَّلَ عام 1922 م ” المجلس التأسيسي ” الذي أناط به ثلاث مهمات ، وهي تقرير :
1 – القانون الأساسي العراقي ( الدستور ) .
2 – قانون انتخاب مجلس النواب .
3 – المعاهدة العراقية – البريطانية .
في 21 آذار 1925 م صدر القانون الأساسي العراقي ( الدستور الدائم للبلاد ) والمتكون من ( 123 ) مادة دستورية ، غطت الجوانب كافة . ظل ( الدستور ) نافذاً يحكم العراق حتى تموز 1958 م .. سنستخدم كلمة ” دستور ” بدلاً من ” القانون الأساسي العراقي ” مجازاً نظرا لطولها .
فَصَلَ ( الدستور ) بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
ففي المادة 28 قال : السلطة التشريعية منوطة بمجلس الأمة مع الملك . ومجلس الأمة يتألف من مجلسَيْ الأعيان والنوّاب .
وفي المادة 66 قال : وزراء الدولة مسؤولون بالتضامن أمام مجلس النوّاب عن الشؤون التي تقوم بها الوزرات … إلخ .
يعَدُّ العهد الملكي عهداً مستقراً من ناحية دستورية ، ولكنه قلقاً من ناحية سياسية فيما يخصُّ تشكيل الحكومات وتغييرها .. ذلك بسبب الظروف الداخلية المضطربة والصراع المستمر على السلطة بين الطبقة السياسية السابقة ، فضلاً عن الظروف الخارجية المؤثرة والمؤذية للعراق كدولة .
خلال ذلك العهد بدأ تشكيل الأحزاب والجمعيات بشكل مبكر ، إن لم نقل بدأ قبل تأسيس النظام الملكي بالعراق . كما أن المعارضة كانت مبكرة ورائدة ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر ، شكَّلَ ” عبد المحسن السعدون ” عام 1925 م حزباً حاكماً وهو رئيساً للوزراء ” حزب التقدُّم ” . بينما شكَّلَ قبالته ” ياسين الهاشمي ” حزباً معارضاً له باسم ” حزب الشعب ” .
هذا هو شكل النظام في العهد الملكي ، والحياة السياسية فيه قبل أكثر من تسعين عاما .