نعم لمشروع عراقي عابر للطائفية … بقلم د. ماجد أحمد السامرائي

نعم لمشروع عراقي عابر للطائفية … بقلم د. ماجد أحمد السامرائي
آخر تحديث:

في جلسات نقاش وحوارات غير منظمة وغير حزبية أو فئوية جرت خلال الأسابيع الماضية في كل من لندن وعمان وكذلك من خلال أدوات التواصل الاجتماعي، بيني وبين مجموعة من المثقفين والمفكرين السياسيين العراقيين المهتمين بالشأن العراقي، وليس من بينهم السياسيين الباحثين عن نتائج سريعة تخدم مصالحهم القصيرة الأجل إما لتعويض خسارات حصلت أو البحث عن مكاسب جديدة عبر الانتخابات المقبلة، حاولت وما زلت أحاول ومعي كثر من الخيرين الحريصين على مستقبل وطنهم طرح الأفكار المتعلقة بإمكانيات وقدرات «المشروع الوطني العراقي» أو ما يمكن أن نطلق عليه «المشروع العابر للطائفية» في تحمل أعباء ومسؤوليات إخراج العراق من المأزق السياسي الذي وصلت إليه منظومات الحكم والمعارضة معاً، لكونها اختارت ودخلت في مأزق الاصطفاف والصراع الطائفي، حيث أخذ التحشيد طابعاً أكثر خطورة ويقترب حالياً من حافة الصدام المسلح تحت عناوين ومبررات سياسية وأمنية مختلفة أصبحت جاهزة للإخراج من جيوب الجميع.
ومحاولاتنا الجدّية هذه لا تحمل أغراضاً وأجندات فئوية مسبقة ومدّبرة، وإنما هي أفكار لدعوة وطنية تفرضها ظروف المرحلة السياسية التي يعيشها العراق، بعد أن انغلقت منافذ الحل عبر الاصطفافات الفئوية التي أضرّت بالواقع السياسي والإنساني للعراقيين. أفكار أولية معروضة للحوار، وهي ليست طروحات نظرية بحتة على أهميتها لأي مشروع سياسي، وإنما عرض لبرنامج وطني يتجاوز الحلم الفردي بعراق ديمقراطي آمن ومستقر، إلى جهد جماعي يتولاه ويتحمل أعباءه نخبة من السياسيين والمفكرين العراقيين الذين هم خلاصة تجربة العراق التاريخية والحضارية، وأدوات هذا الشعب العظيم الذي يجد فيهم الملاذ الأخير بعدما ما لاقاه من قهر وظلم ومن احتمالات مخاطر التمزق والتقسيم.
هذه المحاولة التي قد تتحول إلى جهد منظمّ ومشروع سياسي عراقي عابر للطائفية إذا ما التزمتها النخبة الخيرة، تنطلق أولاً من ضرورات البحث في الأسباب والنتائج التي أدت بالمشروع الوطني العراقي إلى الانتكاسة خلال السنوات القليلة الماضية على يد بعض الرموز والتشكيلات السياسية العراقية بعد أن توفرت لها الفرصة التاريخية عام 2010 للإنقاذ الوطني من المأزق الذي وصل إليه العراق بسبب الانقسام السياسي الطائفي ووصول المشروع الطائفي إلى مصيره المحتوم. وكذلك بالتفكير والبحث الجماعي الجدي على وضع مقدمات مهمة ومقنعة لتوفير فرصة جديدة أمام هذا المشروع للانطلاق والعمل وسط الجماهير لتحقيق الآمال بالديمقراطية وبدولة المواطنة المدنية الحديثة.
محاولة تتجاوز حالة الإحباط العام التي خلفتها انتكاسة هذا المشروع التاريخي للعراق، بعد تقويم جدي وجريء لأسباب هذه الانتكاسة البنيوية الذاتية والهجمة التي تعّرض لها من قبل الهادفين إلى وضع العراق لأجيال مقبلة طويلة تحت كابوس التخندق الطائفي المرير، أو المتسارعين إلى قمع أية محاولة جدّية للنهضة، ليقينهم بأنها ستكون طريق الخلاص الفعلي لأزمات العراق التي تهيمن عليه اليوم. ومن بين تلك المحاولات تلبّس تلك الشعارات وعرضها في مقدمة الخطابات الإعلامية للمشروع الحاكم المعروف بتوجهاته الأيديولوجية والمذهبية المنغلقة. أو فيما يتداوله المشتغلون في العمل السياسي اليومي من خارج السلطة سواء في الموالاة من داخل الكتلة الشيعية أو المعارضة العربية السنية.
لقد تبددت الآمال بالمشروع الوطني العراقي ليس لإخفاق تجربة «القائمة العراقية» التي تحملت مسؤولية أعبائه أمام الجمهور العراقي الذي وضع آماله عليها فحسب، وإنما لما حصل في العراق بعد عام 2003 من ظروف مريرة ومحزنة للمكون العربي السنّي الذي حُمّل ظلماً أعباء ومسؤوليات سياسة النظام السابق، واتهم بأن هذا المكوّن هو الحاكم، وكذلك أعباء ألف وأربعمائة عام مما يرّوج له «طائفياً» من ظلم وقهر تجاه المكون الشيعي حسب نظرية «المظلومية الشيعية» لتحلّ محلها «مظلومية سنية» ضمن دورة زمانية جديدة ليس لها علاقة بمعطيات العصر وحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، وإنما بطقوس تصلح لمنابر حوارات المذاهب والأديان أكثر من صلاحيتها لحلول سياسية إنسانية تتجاوب مع متطلبات الحياة والعصر الحديث، وكذلك مع الحقائق التاريخية للعراق الموحد بجميع مذاهبه وطوائفه وأقلياته الأثنية والعرقية.
ومن هنا تكمن الصعوبات التي تواجه محاولات إطلاق هذا المشروع العراقي «العابر للطائفية» لكن هذه الصعوبات الخارجية والبيئية الشكلية لا تقف عائقاً أمام الإصرار والتحدي، خصوصاً أن جميع معطيات الوضع الداخلي العراقي، والمحيطين الإقليمي العربي والدولي تتجاوب مع مثل هذه الانطلاقة العملية الضرورية الجديدة. وبالأخص ما نشاهده من سقوط مدوّ لمشروع «الإسلام السياسي» في مصر على يد الجماهير المليونية المصرية التي خرجت لتسحب بطاقتها الانتخابية من الإخوان المسلمين، وتصّوت للمشروع الوطني الليبرالي المصري، وما ينتظره حكم تونس من مصير مماثل.
إن هذا التحوّل ينعش الآمال بأن المشروع «العابر للطائفية» على الرغم من الخصوصية المصرية، قادر على امتلاك إمكانيات النجاح مقابل الانحدار والإخفاق والفشل المدوي لمشاريع الإسلام السياسي والأكثر هزيمة لمشاريع الطائفية السياسية التي تتعكز على الطائفة «السنية أو الشيعية» وهما ضحية لها .
هناك تساؤلات مشروعة قد يبادر بها أصحاب الضمائر الحية ممن لم يغرقوا في وساخة المال السياسي، أو يكونوا ضحايا له من قبل الحيتان الكبيرة التي اكتسحت الساحة العراقية، ولا أريد القول بفعل المحتلين الأميركان لكي لا أفهم بأنني من دعاة نظرية «المؤامرة» وهي تساؤلات كثيرة قد تقود الإجابة المقنعة عليها إلى حالة الإحباط واليأس من إمكانية إصلاح الحال العراقي، والبقاء تحت رحمة السياسيين أو أنصافهم الذين ارتصفوا على جانبي الضفة الطائفية العربية (سنية وشيعية) ولم تعد هناك فرصة متوفرة أمام المشروع الوطني العراقي الذي يقال بأنه أخذ فرصته وفشل في التجربة السياسية السريعة خلال الدورة الانتخابية السابقة قبل أن يحكم، ولكنني وغيري آخرون يرون بأن إمكانيات المشروع العراقي «العابر للطائفية» ما زالت قائمة.
وقد يقول متسائل: ما أهمية الحوار والنقاش وتداول الأفكار من قبل المثقفين والمفكرين السياسيين (العروبيين والديمقراطيين) في وقت يتم فيه تحشيد القوى من قبل المتسابقين للجولة المقبلة من الانتخابات العامة عام 2014، هل من أجل إثارة حوار ونقاش فكري سياسي لأغراض التثقيف العام الذي لا مكان له في ملعب الصراع الذي سيحتــدم خلال الشهور المقبلة.
وقد تكون غالبية القوى قد استكملت عُدد وأدوات هذه الجولة في جانبها المهم وهو (المال) الداعم لنجاح أي مشروع انتخابي وخصوصاً بعد أن تمرّس هؤلاء السياسيين ومن كلا طرفي النزاع السياسي (السني والشيعي لعرب العراق) على إتقان اللعبة وردم بعض الثغرات الفنية فيها، لقد خربت وسممت القوى الخارجية والقوى الناشئة في العراق العمل السياسي بعد 2003 حيث وضعت «المال» في مقدمة أولوياتها، وهناك من يقول لك: نعم أنا مقتنع ولكنني أحتاج إلى المال، لأن من يمتلك إمكانيات السلطة يقدم المال بسخاء، ولا توجد محرمات قانونية أو أخلاقية سياسية تعيق استخدامها في مراحل الحشد الأولى أواللاحقة، ويمكن الدفع (No Cash) بواسطة العقود وغيرها… ماذا يقدم أصحاب المشروع الوطني غير الآمال؟
والجانب المهم الثاني هو: الإعلام، ومعروف ما تمتلكه الأحزاب العراقية من قنوات فضائية إضافة إلى القنوات العراقية التي موّلت من الأميركان قبل رحيلهم العسكري ومن طهران لدعم الكتل المتنافسة. والمشروع الوطني المقترح ولكي يقوم على رجليه يحتاج إلى فضاء تلفزيوني يعبّر عنه وعن الجماهير الواسعة الملتفة حوله. لقد ذهب بعض السياسيين إلى إنشاء قنوات فضائية عراقية لتكون سلاحهم المرحلي للجولة المقبلة، إلى جانب قنوات عراقية الهوية تلعب على مراكز القوى المحتملة دون خسارة القوى الحالية التي توفر الموارد المالية لأصحابها الممتهنين لصنعة الإعلام الحديث.
إن دعم الخارج للمشروع عابر الطائفية أمر مستبعد لأنه سيضعه أسيراً لتلك الأجندات الخارجية، ولذلك فإن القدرات المالية الذاتية للعراقيين المؤمنين بالحل الوطني العراقي وهي متوفرة، يمكن أن تشكل دعامة إذا ما اقتنع أصحابها بإمكانيات نجاحه.
إن هذه المقدمات من الأفكار نطرحها على مستوى الحوار عبر الإعلام من قبل المهتمين والحريصين على قضية بلدهم، من بين طلائع المفكرين والسياسيين والمثقفين العراقيين، مؤمنين بأن الحوار التأسيسي حول هذا المشــــروع ضـــرورة وطنية عراقية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *