نوري المالكي العراقي ليبي أيضا

نوري المالكي العراقي ليبي أيضا
آخر تحديث:

بقلم: إبراهيم الزبيدي

لنوري المالكي الذي نصّبه السفير الأميركي في العراق، زلماي خليل زاده، عام 2006، رئيسا للوزراء، بجهالة أو خباثة، قولٌ مشهور باللهجة العراقية، (ما ننطيها)، ويعني (لن نُعطيها)، ويقصد رئاسة الوزارة.

ففي سنته الأولى في الحكم، وبالدعم غير المحدود من المحتلين الأميركيين وورثتهم الإيرانيين، تمكن من تحويل الجيش وقوى الأمن الداخلي وميليشيات رفاقه في البيت الشيعي إلى عصاه الخاصة التي يهش بها على أعدائه الكثيرين.

وبما أصبح بين يديه من قناطير مقنطرة من أموال النفط العراقي، وموارد المنافذ الحدودية، والضرائب والرسوم الحكومية، والصلاحيات المفتوحة، ومنها حق التوظيف والطرد من الوظيفة، وإحالة الصفقات والعمولات أو حجبها، تجمّعت من حوله جيوش المناصرين والخدم والحشم والجواسيس والمتطوعين لإلحاق الأذى بمن يعاديه.

◙ الزعامة لا تباع ولا تشترى، ولا تُدرّس في الجامعات، ولا تُعطى لمن يريدها بحقنة أو حبة دواء. فالكبير كبير، أينما كان وكيفما كان، لا تهبط بقدرِه نائبة، ولا تغريه سلطة ولا مال

فلم تتوقف حروبه مع حلفائه الكورد، تبعا لسخونة مصالحه السلطوية المتقلبة وبرودتها، وحارب الفكرة الوطنية، ومرّر قانون الأحوال الشخصية الجعفري وما يمثله من انتهاكات لحقوق المرأة وحقوق الإنسان ومن تمييز ديني ومذهبي، ووصف خصومه السنة بأنصار يزيد وأنصاره بأنصار الحسين، ومارست عصاباته القتل على الهوية في سجونه ومعتقلاته، وفي عهده تم تهريب أهم عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، وتسهيل عبورهم إلى سوريا، وتؤكد تحقيقات البرلمان العراقي مسؤوليته عن سقوط الموصل وقيام داعش باحتلال محافظات السنة الخمس.

وهو متهم باستغلال سلطاته وخدمة المصالح الإيرانية على حساب مصالح الدولة العراقية، خصوصا بقيامه بتحويل المليارات من الدولارات إلى إيران، بالإضافة إلى احتضانه ميليشياتها الإرهابية في العراق وفي سوريا، ودعمه نظام بشار الأسد قاتل أطفال الشعب السوري ونسائه بالبراميل المتفجرة.

لقد كان مؤمنا بأن استخدام أقسى أنواع العنف مع الخصوم، مع إطلاق أيدي أعوانه في أعناق الناس وأرزاقهم وفي أموال الدولة هما أساسُ الملك.

وعليه، وبسبب ما حمَّل نفسه من المعاصي والمخالفات والمحرّمات وخيانات الأمانة والموالاة للمحتلين الإيرانيين، لم يعد يطيق الترجل عن ظهر الحكومة، لأنه يعرف أن تركها، ولو يوما واحدا، سيعرضه، ومعه أبناؤه وأصهاره وأعوانه، للمحاكمة، ويضعهم، جميعا، خلف القضبان.

وبالفعل تمكن من احتكارها ثماني سنوات ولم يتركها إلا بأعجوبة، وبضمانات إيرانية وأميركية بحمايته من الحساب والعقاب.

حدث هذا في العراق أمس، ويحدث، اليوم، بالتمام والكمال، في ليبيا الشقيقة التي تشبه العراق (الديمقراطي) الجديد، وسيحدث في أيّ وطن عربي آخر لا تتوفر في شعبه العزيمة والإرادة والإباء.

ففي ليبيا، اليوم، رئيس حكومة لم يُنتخب من الشعب في اقتراع عام نزيه وشفاف، ولا من برلمان منتخب، بل اختارته لجنةٌ استشارية اخترعتها ممثلة الأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، رئيساً لحكومةٍ مؤقتة مهمتُها محدَّدة بتهيئة البيئة الملائمة لإجراء انتخابات عامة، ثم ترحل، فقط لا غير.

ورغم أن البرلمان الليبي المقيم في الشرق الليبي قد نزع الثقة عنه واختار شخصا آخر رئيسا بديلا للحكومة إلا أنه رفض هذا التعيين، وأعلن أنه لن يُسلّم السلطة إلا على أسنة الحراب، مُلوّحا بإعادة إشعال نيران الحروب الأهلية القديمة من جديد، ومهددا بتكسير عظام كل من يقترب من جدران مبنى رئاسة الوزراء، أو من أيّ مؤسسة حكومية أخرى في العاصمة، طرابلس، مستعيرا من العراقي نوري المالكي قولته الرديئة (ما ننطيها).

ورغم أن حكومته قد سُميت بـ(حكومة الوحدة الوطنية) إلا أنه أمر بإقفال المجال الجوي بين شرق البلاد وغربها، وبوقف منظومات الجوازات، وبمنع أعضاء حكومة غريمه من السفر من طرابلس إلى طبرق لأداء اليمين القانونية.

أما الدول الممسكة برأس السمكة الليبية وذيلها، وهي فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، فيبدو أنها متفاهمة متوافقة على استمرار لعبة جرّ الحبل بين حكومتين، وجيشين، وعاصمتين، حتى يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بعد عمر طويل.

فقد أصدرت بيانا مشتركا دعت فيه إلى “إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ذات مصداقية وشفافة وشاملة، في أقرب وقت ممكن، من أجل تحقيق التطلعات الديمقراطية للشعب الليبي”، وهو أمل لن يتحقق، غدا ولا بعد غد ما دامت الأيدي الخارجية هي التي تأمر وتطاع.

أما المواطن الليبي الواقع بين مطرقة عبدالحميد الدبيبة وسندان فتحي باش أغا فلا حول له ولا قوة، لا يهش ولا ينش، رغم أنه هو الذي يجوع وهو الذي يفقد الأمن والأمان، أما الرئيسان ومن لف لفهما فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وهذا عاديٌّ جدا في المجتمعات التي تشبه مجتمعاتنا المريضة في عالمنا المرقم 3 الذي يسود فيه المحتالون والانتهازيون والكذابون والمزورون المتمرّسون في تسلق سُلّم السلطة، ويختفي فيه العقلاء الذين يحترمون أنفسهم، ويتهيبون المنافسة مع الذين لا يخافون الله، ولا الناس، ولا يستحون.

◙ في عهد نوري المالكي تم تهريب أهم عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، وتسهيل عبورهم إلى سوريا، وتؤكد تحقيقات البرلمان العراقي مسؤوليته عن سقوط الموصل

وبالمناسبة، إن الزعامة لا تباع ولا تشترى، ولا تُدرّس في الجامعات، ولا تُعطى لمن يريدها بحقنة أو حبة دواء. فالكبير كبير، أينما كان وكيفما كان، لا تهبط بقدرِه نائبة، ولا تغريه سلطة ولا مال. أما الصغير فيظل صغيرا حتى لو أجلستَه على كرسي نبيّ الله سليمان.

ولا غرابة، ففي الدول ذات العاهات المستديمة السباقة في التخلف والتزوير والافتراء غالبا ما يصبح الباطل حقا، والظلم عدالة، والفساد شطارة.

وهذا هو حال الجماهير العريضة منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا. فلو وضعت في موقع القيادة قردا ومنحته البنك المركزي والجيش والشرطة والأمن الوطني والأمن الخاص والمخابرات والصناعة والتجارة والزراعة والريّ والأوقاف والمحاكم والسجون والثقافة والفنون، وأتخمت شوارع المدينة بصوره المتنوعة، ضاحكا مرة، وعابسا مرة، لأصبح غزالا في عيون الجماهير العريضة، ولتجمع حوله وعاظ السلاطين، ولدبّجت في مدحه القصائد والأغاني والأهازيج، وصار هو الأعلم من الجميع، والأكثر وطنية وأمانة ورجولة.

ألم تروا كيف كانت الجماهير العريضة تزحف على بطونها لمصافحة قائدها المفدى، ورؤية طلعته البهية، وهي تهتف (بالروح بالدم نفديك يا زعيم)، ثم قامت، هي ذاتُها، عند سقوطه، بضرب تماثيله بالأحذية؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *