بغداد/شبكة أخبار العراق- حين كنا نتابع الأفلام الأميركية او الأوروبية، نقرأ ما يهذبه المترجم من عبارات القذف والشتائم إلى كلمات أقل تهتكا، احتراما لثقافات شعوب ومجتمعات، تتابع تلك الأفلام باختلاف مشاربها .. واكتشفنا حين تخصصنا بدراسة اللغة الانكليزية أن عبارة “تبا لك” و ” الويل لك” هما ليستا كذلك، بل هما شتيمتان ذات مستويات متدنية، لا يليق سماعها أو كتابتها أو ترديدها.. فما الذي حصل لنا، ونحن نترجم تلك الكلمات بثقافة محلية، وننشرها ونرددها، بل ونتحدث بها بأصوات صاخبة في الأمكنة العامة والمقاهي والمطاعم والأسواق، وكأننا في سباق لتحديد أي منا يجيد الاستخدام الأسوأ لمفردات اللغة!!
برامج تلفزيونية وحوارات سياسية ولقاءات و”مانشيتات” صحف وبرامج إذاعية وجلسات ثقافية، كلها لا تخلو من ظاهرة الاستخدام السيئ للذوق العام ولثقافة مجتمع وأعراف وتقاليد وموروثات سلوكية وفكرية وحضارية.. كلها لا تتفق مع هذه الظواهر السلبية التي باتت أشبه بالسائد العام، الذي يقلد مجتمعات غربية، لا تؤمن بما نؤمن، ولا تسلك سلوكنا، ولا تعيش بطريقتنا، ولا تتفاخر بمجد أجدادها، كما نفعل نحن، من دون أن نطبق مسيرة وتراث وثروة فكر أولئك الأجداد بطريقة تليق بما قدموه لنا يوما لنكمل مسيرتهم ونضيف لها ما يثريها وليس ما يدنيها. حين انتشر المسرح الشعبي، وهو ما أطلقنا عليه عبارة ” المسرح التجاري” تصدينا جميعا كتابا ومجتمعا وأدباء وفنانين لتلك الظاهرة، واعتبرنا استخدام بعض العبارات الخارجة عن اللياقة، أو الحركات الأدائية التي تشير إلى ظواهر مستهجنة، تخريبا متعمدا لمجتمع دأب على اللياقة اللفظية في كل تعاملاته المجتمعية مع الآخرين، ولكن تلك الظاهرة التي قوبلت بالرفض لم تصمت تماما، إلا لتعود مرة أخرى، وهو ما نشهده اليوم من مسرح هابط بلا فكرة وبلا قصة وبلا حتى تمثيل احترافي وبلا حوارات فعلية، بل هو تهريج متكامل داخل لعبة الإغواء والإغراء لمجتمع بات يفتقد وجود المسرح والسينما والحفلات الموسيقية الإبداعية لفنانين كبار في كل شيء فيهم، ما سهل سحب الشباب إليه والهاءهم عن حقيقة دورهم التنموي لبلد يعاني الكثير من الملفات الشائكة مثلما يعيش مجتمعنا الآن.
مواقع تواصل لا (اجتماعي)، بل هو صورة عاكسة لدعوات الغداء والعشاء والسمك “المسكوف”، ولنتاجات شعرية لا علاقة لها بالشعر وخواطر تصلح لطلاب المراحل الابتدائية، وترويج لمنتديات وتجمعات تحمل عنوان الثقافة، فيما برامجها تشير إلى انفصالها التام عن ذلك المعنى تماما، وكل هذه الأنشطة اليومية تؤطرها حوارات وعبارات سقيمة وغير منضبطة، تخلو من اللياقة والفكر الهادف ومحشوة بالأغلاط اللفظية والإملائية والنحوية والبلاغية ، وتؤسس لظواهر أقل ما يقال عنها هدامة، فيما ينزوي هدفها الحقيقي في تفتيت سياقات مجتمع عاش طوال عمره، وهو يفخر بما حققه للمشهد الثقافي والمعرفي من انجازات، لا يمكن المرور عليها إلا بالاشادة والاقتباس والفخر، بكل ما قدمته من معارف. لنتخلص من ظواهرنا السلبية بالتعبير عن رفضنا لها بكل الطرق التي نتسلح بها فكريا وحضاريا وفقهيا ومعرفيا وهنا سنحقق الهدف في معرفة ما قصده ” المترجم” بتهذيب العبارات دائما.
هل ابتعدنا عن اللياقة اللفظية
آخر تحديث: