ليس من السهل التكهن بالسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترمب” إزاء منطقة الشرق الأوسط والعراق على وجه التحديد، خاصة لم تطأ قدماه البيت البيضاوي بعد.. ولكن يمكن قراءتها من خلال مواقفه أثناء حملته الانتخابية وما سبقها، ومن خلال خطاب “التتويج” الذي تعهد من خلاله على أن يضع المصلحة الأمريكية أولاً، ما يعني أن هناك جدولة لكل ما سبق ونتج جراء السياسة الخارجية للإدارة السابقة.
ومن أبرز مواقف ترمب حيال العراق، توجيه الاتهامات لإدارة سلفه “باراك أوباما” بالانسحاب من العراق وتسليم أجزاء واسعة منه إلى تنظيم داعش، لاسيما انتقاده الشديد لسياسة بلاده الخارجية، معتبرا أن غزوها للعراق جعل منه حاضنة للإرهاب، بعد أن كان آمناً مستقراً، كما تسبب بزعزعة استقرار الشرق الأوسط، واللافت أيضا في موقف الجمهوري ترمب بهذا الجانب، أنه اعتبر قرار واشنطن غزو العراق “أسوأ قرار اتخذته حكومة بلاده في أي وقت مضى”، وحمل مسؤولية ذلك القرار للرئيس الأسبق بوش الإبن، كونه تسبب بظهور داعش واندلاع نزاعات مسلحة داخلية في ليبيا وسوريا، وكذلك أدى إلى أزمة اللاجئين وزيادة الخطر الإرهابي. كل هذه التركات قد يستثمرها ترمب لاحقاً لمواجهة خصومه في كشف النتائج السلبية التي حصلت عليها بلاده جراء ذلك الغزو.
من هنا يمكن قراءة أو التكهن بماهية سياسة ترمب إزاء العراق، في ظل تراجع الدور الأمريكي فيه لصالح إيران، التي يعتبرها ترمب الراعي الأول للإرهاب الإسلامي المتطرف، لذا ربما لم يتوان في إعادة نشر قوات بلاده في العراق لتحقيق ثلاثة أهداف. وأول هذه الأهداف يتمثل في إعادة هيبة أمريكا التي أُذلت في العراق بعد انسحابها منه عام الفين وثمانية، على وقع ضربات المقاومة العراقية، تاركين خلفهم بلاداً تعيش على وقع أزمات سياسية مغلفة بتحديات أمنية كبيرة، وهذا ما شدد عليه كثيراً في حملته الانتخابية. وثاني الأهداف يكمن في سحب الهيمنة الإيرانية على العراق سياسياً وأمنياً، وبالتالي تقليم أظافرها بعد أن تمددت في عدد من دول المنطقة، بسبب سياسية أوباما الضعيفة، ويرى ترمب أن قوة إيران ازدادت بعد الإتفاق النووي، الذي اعتبره “أسوأ اتفاقية” متعهداً بتمزيقها منذ اليوم الأول لتوليه مهام الرئاسة، لذلك أبدت الخارجية الإيرانية قلقها على مصير الاتفاق النووي في حال تمكن ترمب، من الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية، والأخير يدرك أن أفضل وقت منح للنظام الإيراني في ترتيب علاقاته مع الغرب أو أميركا هو في عهد الرئيس باراك أوباما، وثالث هذه الأهداف، هو القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، يعتبره ترمب نتاج سياسية بلاده الخاطئة في المنطقة، من خلال حرمان التنظيم من مصادر تمويله في العراق وسوريا، والتي يرى بأن موردها الأساسي هو النفط.
لذلك، ليس مستبعداً أن يفتح ترمب قنوات اتصال مع جهات عراقية ليبرالية وحتى عسكرية من قيادات الجيش السابق، لإعادة ترتيب البيت العراقي، بعد فشل حكم “الإسلام السياسي” الذي خلّفه الاحتلال، وقد ينعكس ذلك بشكل عملي من خلال الانتخابات المقبلة.
هذه ربما أبرز ملامح سياسية ترمب حيال العراق، وقد لا يتوانى عن الشروع بها لإعادة هيبة بلاده كما تعهد، إن لم يُشكل لوبي معارض من داخل حزبه، الذي تسبب بهذه الكوارث للعراق كي لا يعترف بها من جهة، والخشية من أن يستغل منصبه الرئاسي على نحو يجعل أمريكا هدفاً للتنظيمات المتطرفة، من جهة أخرى.