علي السوداني
ما يزال تراثنا محاطا بأسوار عالية من افكار دوغمائية واجترارية وانغلاقات متكلسة في مواضع مجتمعية مختلفة، ومؤسسات حكومية، واحزاب سياسية تساهم جميعا بأحياء تلك الافكار وتمدها بمصل البقاء لأسباب تتعلق بمصالحها.
لذلك فالسبل المتاحة لإذابة جبل الجليد الدوغمائي عسيرة ومحدودة، لكنها ليست مستحيلة، إنما تتطلب جهودا على القوى التقدمية ومنظمات المجتمع المدني بذلها فيما لو آلت على نفسها البحث عن حل .!
الحال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في البلاد لا يبشر بخير، ان لم يكن ينبئ عن مأزق جديد ، مؤسسات الدولة بسلطاتها الثلاث في خصومة مبطنة في اكثرها مع القوى المنادية بالتغيير لكل الاشكال فهي موقنة في احقيتها من خلال دعم الجماهير الواسع، وقد نجحت في توسيع سلطانها في العامة البسيطة من الناس متخذة منهم اذرعا لنيل شرعية البقاء والاستحواذ على خزائن الدولة، والتمتع بمباهج الحكم ونشوة السلطان !!
ان طلائع المثقفين والنخب الوطنية والمتحرقين رغبة مخلصة لبناء وطنهم، يرون ان لا سبيل إلا التغيير بما يحقق العدالة الاجتماعية بجملة قوانين وتشريعات يطول ذكرها.
لكن الشروع بخلق ثقافة وطنية قادرة على مسايرة ركب العالم من جهة ، وبناء منظومات واعية تهيئ أجيالا منتجة، من اوليات المشروع في اعتبار التحليل المعرفي (الابستمولوجي)، المتضمن دراسة الافكار والعقائد والاديان والطوائف، كذلك اعتبار مادة الاخلاق مادة علمية (سوسيلوجية) تتعلق ببناء الانسان واعداده كصانع للحياة.
ان التحليل المعرفي يعني الرغبة في التصحيح، والطريق لإكتشاف بدائل وممكنات، ودعوة للإنفتاح محل الانغلاق والتحجر، ذلك هو الفكر الحر، الذي يسعى اليه الانسان الحر ، الانسان الموضوعي الساعي لبناء معرفة مترفعة عن الالوان والمقاييس الضيقة سواء أكانت فئة او طائفة منطلقا من فضاء البحث العلمي الرصين، الامر الذي ينطبق على اصناف المعارف بما فيها المعارف الدينية .
ارجو الا يتصور البعض كلامنا ضربا طوباويا، لاننا موقنون من صعوبة المشروع وقد قلناه في المقدمة ، لكن الجهد المخلص كفيل بخلق المعجزات وما اثرناه لا يتطلب معجزة، بل اصرارا مخلصا.