مظاهرات الجمعة الماضية ٣١ آب (اغسطس) في البصرة تم قمعها بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والضرب بالهراوات والعصي وشتى أنواع الإهانات والإساءات والانتهاكات، وهذا أمر ليس بجديد في العراق بنسخته الأمريكية المطعمة ببعض التوابل من دول الجوار .المطالب التي رفعها متظاهرو البصرة لم تتعدَّ أبسط متطلبات العيش الإنساني، وأولها الماء الصالح للاستخدام البشري، هذا إذا كانت الحكومة تنظر إلينا نحن العراقيين على أننا بشر !
فقد أصيب آلاف البصريين (أبناء المحافظة النفطية والدولة الغنية) بالتسمم خلال الأسبوع الماضي بسبب المياه الشديدة التلوث، وامتلأت المستشفيات بأناس من مختلف الأعمار يتقيأون ويصرخون من شدة الألم، وكالعادة استسهلت وزيرة (الصحة والبيئة) القضية وأطلت علينا بمؤتمر صحفي قللت فيه من حجم الكارثة وتحدثت عن اجراءات لاوجود لها، هل سيحاسبها أحد؟ بالطبع كلا، ستعيش معالي الوزيرة بسلام وسعادة بعد انتهاء المدة المقررة لها في منصبها كباقي الوزراء (الملائكة) الذين جاءوا وذهبوا ولم يحاسبهم أحد على فشلهم وتقصيرهم وكوارثهم وما فعلوه في وزاراتهم .
لنعد الى طريقة تعاطي حكومة الدكتور حيدر العبادي مع التظاهرات، لقد قمع متظاهري البصرة المطالبين بتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء والخدمات وفرص العمل، لم يطلبوا من السيد العبادي مثلاً أن يجعل محافظتهم شبيهة بإحدى مدن سويسرا أو بريطانيا التي قضى فيها دولة رئيس الوزراء شطراً من حياته، إذ لايختلف اثنان على أن العراق اليوم بلد مهدم وبائس عمرانياً وخدمياً وبعيد عن مظاهر المدنية الحديثة، بل هو بمحافظاته أشبه بمجموعة قرى تربط بينها طرق معبدة بالأسفلت البائس، حتى أنه – باعتراف منظمات دولية – مصنف على أنه الأسوأ في العالم وعاصمته هي الأبشع في العالم، كل شيء فيه يجعلك لاتصدق أنك في دولة نفطية .
إن هذا الاسلوب في قمع المتظاهرين يأتي من طريقة تفكير الحكام الذين يحكمون العراق (العبادي وأحزاب السلطة الانتهازية الشيعية والسنية والكردية) والتي هي مبرمجة على أن الانسان العراقي ليس سوى قرد في قفص ينبغي عدم تدليله أكثر مما ينبغي، يكفيك أن ترمي إليه قشر موزة فقط وتسقيه ماءً قذراً وسخاً يليق به وبقفصه الوسخ لأنه في النهاية مجرد قرد! نحن قطيع من القردة في نظر السيد العبادي وأحزاب السلطة التي تسيطر على البلد، ومظاهراتنا هي عبث قرود وصراخ وتقافز وشغب، وهذا الشغب يزعج السلطة التي تعالج الموقف بإرسال قوات قمع الشغب .
وبالمناسبة، هذه الطريقة بالتفكير جاءت برعاية ومباركة امريكية، فالإدارة الأمريكية منذ اللحظة الاولى للاحتلال واسقاط النظام البعثي تتعامل معنا وكأننا مخلوقات لاتستحق الحياة، كائنات دون مستوى القردة! مجرد فئران تجارب تقبع في المختبر الأمريكي فتجرب علينا تنظيماتها الإرهابية كالقاعدة وداعش والميليشيات وكل أنواع الابتكارات والاختراعات التي أبدعتها العقلية الأمريكية .
خلاصة القول، السلطة الحاكمة في العراق لاتنظر إلينا كبشر، ليس لأنها تقمع تظاهراتنا بالنار والحديد، بل لأن الحياة المتخلفة جداً التي نعيشها لاتليق بالبشر، فماء الشرب في البصرة -على سبيل المثال – يقتل حتى الطيور والبهائم، الرعاية الصحية دون مستوى الصفر في جميع المحافظات، والعناية بالبيئة بات مجرد نكتة مضحكة مبكية، البنى التحتية خراب في خراب، المشاريع الوهمية جارية على قدم وساق، المشاريع التي يتم تنفيذها على أرض الواقع بائسة ورديئة وتافهة جداً وتكلفتها تعادل ميزانية دولة أوربية، الأموال الطائلة تذهب الى جيوب المسؤولين الفاسدين والمقاولين والسماسرة، الشيء الايجابي الوحيد في العراق هو سرعة عمال النظافة البنغلاديشيون في المستشفيات في نقل الموتى من ردهة الطوارئ الى الثلاجة، فنحن في زمن السرعة، ولابد لنا من مواكبة السرعة في العالم كما يهرع فريق طبي في احدى دول أوربا لإنقاذ منقار بطة أو إجراء عملية جراحية لإصلاح ساق قطة، وبعد كل هذا، هل نحن بشر في نظركم يا أحزاب السلطة؟!