هل يجد العربُ كتاباً عراقيا؟

هل يجد العربُ كتاباً عراقيا؟
آخر تحديث:

بعد غياب دعم الدولة للكتاب

 صلاح حسن السيلاوي

بعد كل الحضارات التي أهداها العراق إلى العالم، فملأت أسماعه وعقوله، وبعد أن ابتكر الرافدينيون الكلمةَ، فوضعوا الإنسانيةَ على أول سلالم المعرفة والعلم الرقي الإنساني. بعد كل ذلك، أين كلمتهم ؟ ماذا يجد القاريء العربي من خلاصات أرواحهم؟ وعلى أي الرفوف يرى معاجمَ أحلامِهم ورؤاهم وأفراحَهم وأحزانَهم وحصاراتِهم وحروبَهم التي لا تنتهي؟ أين يتجه المثقف العربي ليتصفحَ قلوبَ العراقيين ومعارفَهم شعراً وسرداً وفناً ونقداً وفلسفة؟ ما هو حال كتابهم في المجتمعات العربية؟    

دور نشر قاصرة 
الشاعر السوري هاني نديم يرى أن العراق منذ 2003 يقدم ما هو جدير بالقراءة والمتابعة، مشيرا إلى تحقيق فسحة الحرية بعد سنوات طويلة من التكميم للمؤجل من المشاريع والمصادر من الأفكار، وأبدى عدم شكه في أن تلك العملية شهدت فوضى في بادئ الأمر، إلا أن التراكم الثقافي العراقي أعاد فرز وتصدير كثير من المشاريع الناجحة.وقال نديم موضحاً: كوني أعمل في الصحافة الثقافية، فأنا على اتصال مباشر بدورالنشرالعراقية ومنتجاتها،كما أنني أعدت طباعة أحد دواويني القديمة في بغداد نظراً لازدهار مشاركات تلك الدور في الخارج.وكل معرض كتاب أترقب إصدارات دور نشرعديدة مثل الرافدين وشهرزاد والروسم ومن قبلهم الدور العراقية النشطة في الخارج كالجمل والمدى، ولكن ما زالت دورالنشر العراقية قاصرة مقارنة بحجم الإنتاج الإبداعي العراقي، عكس مثلا دور النشر اللبنانية التي وصفتها يوماً بأنها توفر لكل كاتب دار نشر، المسألة في رأيي تتعلق بالتسويق إلى جانب القلة.
منجم الأدب والثقافة 
الشاعرة والمترجمة الجزائرية حنين عمر لفتت إلى أن حسن توزيع أي كتاب هو الحدّ الفارق بين النجاح والفشل وبين العالم المتقدم والعالم المتخلف الذي لا يتقن لعبة فرض ثقافته وتسويقها، مشيرة إلى أن حسن التوزيع يصنع جسراً سحرياً بين الكاتب وقرائه في كل مكان. وأضافت عمر بقولها: العراق منجم حقيقي للأدب والثقافة، ولابد من الإهتمام بتوزيع ثروات هذا المنجم على الأقل عربيا، فكثير من الناس ينتظرون هذه الكتب ويتطلعون إليها، وليس في مقدورهم الوصول – مثلي- إلى شارع المتنبي كل أسبوع لاقتناء ما يشاؤون، فماذا نفعل نحن المنفيون البعيدون؟ وماذا يفعل الكتّاب الذين يحلمون جميعا بأجنحة لكتبهم تطير بها إلى ما وراء الأفق؟، هذا سؤال يجب أن يطرح ونحاول إيجاد إجابات له وقضية لا بد من دق ناقوس خطرها، فأنا شخصيا أبحث عن كثير من كتب الأصدقاء والكتاب العراقيين الأدبية والتّاريخية في معارض أو مكتبات في أكثر من عاصمة أثناء انتقالاتي، في القاهرة أو الأردن أو الجزائر وحتى في لبنان أو الخليج، والملاحظ هو ندرة الكتب المطبوعة في العراق باستثناء دار أواثنتين، ولا ينجو إلا من طبع خارجه، والمؤسف أن لعبة الماركتنغ ليست عادلة، فمن يدفع لتسويق كتابه ونفسه يعلو شأنه حتى إن كان تافها، ومن لا يستطيع الدفع يتم التعتيم عليه وقتله معنويا هو وكتبه، وهذا يصنع تاريخا ادبيا مزيفا تماما، وهوظلم كبير للمبدعين وللمشهد العراقي من جهة وللقارىء العربي من جهة أخرى لأن العراق كان وما يزال منارة ثقافية وسيبقى، ولا بد من توزيع ضوئها على كل العالم.
تصدير ثقافة العراق 
الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار يعد العراق مصدرا كبيرا ومذهلا للمعرفة وللثقافة بالنسبة له، حتى في سنوات الحرب والحصار، لا سيما الكتب والمجلات التي كانت تصل إلى المغرب، تحديدا. كتب الأدب والفكر واللغة التي تشغل حيزاهتمامه. وقال الخصار موضحا: كنت أتحين الفرص لأحصل من معرض الدار البيضاء على الكتب التي لا تصل إلى المكتبات. لذلك كانت الوسيلة هي دور النشر التي تحضر معرض البيضاء، سواء الدور العراقية بالداخل أو التي يديرها عراقيون بالمهاجر،أو عبر دور أخرى وسيطة، أو ناشرين عرب يطبعون كتبا عراقية.في الحقيقة خلال الفترة الأخيرة، أي عقد ونصف تحديدا، لم تعد الكتب تصل بالكم ذاته، وبالتنوع الذي ألفناه. وصار من الضروري الوصول إلى الكتاب العراقي عبر طرق غير مباشرة. بالنسبة إلي تحديدا صرت أحصل على الكتاب العراقي إما عن طريق ناشر لبناني أو أردني أو مصري مثلا أو ناشر عراقي يقيم في أوروبا او عن طريق تحميله من الأنترنت إن كان ذلك متاحا، أو في بعض الأحيان عبر طلب نسخة إلكترونية مباشرة من مؤلفه. ونحن مدينون في هذا الصدد للأنترنت وما أتاحه لنا من خدمات مهمة بشأن التواصل.هناك مسؤولية كبيرة ملقاة اليوم على اتحاد الناشرين العراقيين. فهو الجهة التي عليها أن تناضل وتواصل نضالها كي يكون الكتاب العراقي حاضرا بالخارج. وعلى وزارة الثقافة العراقية أن تفكر جديا في تاريخ العراق العظيم، التاريخ الثقافي والفكري، كي تحس بأن أكبر قتل للثقافة العراقية هو الوقوف في طريق تصديرها إلى الخارج.
المكتبة الألكترونية 
الشاعر اللبناني محمد باقر أحمد جابر أشار إلى نتائج الاحصاءات التي تجريها معارض الكتب والتي تؤكد على توجه الناس بشكل كبير إلى شراء كتب الأبراج والطبخ وغير ذلك مما لا يساعد في صقل شخصية ثقافية قادرة على مجابهة التحديات، على حد وصفه.لافتا إلى أن الأزمة الأبرز هي أزمة تسويق الكتاب وإهدائه.
مبينا أنه كباقي الشعراء والمثقفين يلجأ إلى المكتبة الألكترونية إذا حال ارتفاع ثمن الكتاب العراقي وغيره دون شرائه مؤكدا على انه لمس ذلك التوجه عند كثير من الأصدقاء لما يحققه من سهولة في حمل آلاف الكتب على الهاتف المحمول.وأضاف جابر بقوله: لا يفلح المثقف العربي في ترويج كتابه وبيعه إلا من خلال حفلات التوقيع، وما تبقى من مئات النسخ المكدسة لا تنتشر إلا عبر الإهداءات للأصدقاء والمهتمين. هذا وتزخر مكتبتي بالكتب العراقية وخاصة مجاميع الشعر والدراسات النقدية واللغوية، منها ما حصلت عليه عبر إهداءات والأخرى هي لرموز الشعر والثقافة والأدب.حتى لناحية الإهداءات تبرز أزمة جديدة، فالكتب المهداة  نادراً ما تتم مطالعتها إذا كانت لمثقفين مغمورين إعلامياً فيما يولي المثقف العربي الإهتمام الأكبر لمطالعة مؤلفات (الكبار). ولا بد أن أشير في الختام إلى أن دور النشرالعراقية لا سيما الجمل والمدى لها صدى كبير في الأوساط الثقافية اللبنانية فأنا أتوجه إليها عادة كل عام في معرض بيروت الدولي حيث أجد بهما ضالتي من كتب الأدبي العالمي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *