وجها الإرهاب في العراق: “القاعدة” والمحاصصة الطائفية … بقلم د . عبد الحسين شعبان

وجها الإرهاب في العراق: “القاعدة” والمحاصصة الطائفية … بقلم د . عبد الحسين شعبان
آخر تحديث:

يعد شهر يوليو/تموز الماضي لهذا العام الأكثر دموية وإرهاباً في العراق قياساً للسنوات الخمسة المنصرمة، فقد سقط فيه نحو ألف قتيل، في عاصفة عشوائية هوجاء من العنف ضربت عشرات المواقع والمؤسسات والمدارس والنوادي والجوامع والمساجد والشوارع والمدن والمحافظات . ولم تستثن “تسونامي الإرهاب” أحداً، بل وزّعت العنف والدمار والخراب على الجميع من دون استثناء، لدرجة يكاد يقع المراقب والمحلل السياسي في حيرة: تُرى ماذا يريد الإرهابيون؟ وما معنى “الإرهاب لأجل الإرهاب”؟!

إذا كانت هذه إحدى زوايا النظر، فإن هناك زوايا أخرى، لاسيّما إذا ربطناها بالأهداف، خصوصاً بالتأثير السيكولوجي (النفسي) على الناس ونظرتهم إلى الحكومة التي لا تستطيع حمايتهم وضبط الأمن والنظام العام، فستكون تلك مقدمة مهمة لضعضعة العملية السياسية التي ستظهر وكأنها عاجزة، خصوصاً باستهداف العراق كلّه، من دون استثناء، فحصّة العرب من العنف والإرهاب كبيرة، مثلما هي حصص القوميات الأخرى، لاسيّما التركمان، وكذلك كانت حصص المسلمين سنّة وشيعة، إضافة إلى الأديان الأخرى، مسيحيين وإيزيديين وصابئة وآخرين .

وجاءت عملية الهروب الجماعي لسجناء سجني أبو غريب والتاجي لتكشف هزال وهشاشة الوضع الأمني ومن خلاله الوضع السياسي، إذ كيف تستطيع إقناع الناس بأن الحكومة التي تزعم أنها تبني مؤسسات أمنية بوسائل حديثة تبقى عاجزة طوال السنوات العشر ونيّف الماضية عن تأمين وظيفتها الرئيسة، وهي حماية أرواح وممتلكات المواطنين وحفظ الأمن وضبط النظام العام؟ فبعد سلسلة عمليات إرهابية، يشترك نحو 200 من الإرهابيين من “الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” في عملية اقتحام لسجنين رئيسين، حيث فرّ خلالها أكثر من 500 سجين بعضهم من كبار شخصيات تنظيم القاعدة الإرهابي، كما ارتكبت مجزرة بُعيد العملية راح ضحيتها أكثر من 100 شخص حسب بعض مصادر الطب العدلي في بغداد . وكان محللون غربيون قد اعتبروا أن فرار بعض أمراء “القاعدة” من سجني أبو غريب والتاجي في العراق، في عملية منظّمة، عزّز الانطباع بضعف الحكومة العراقية وفشل التدابير الأمنية التي اتخذتها، مثلما أعاد إلى الأذهان جهوزية تنظيم القاعدة، الذي اهتزّت صورته في السنوات الأخيرة الماضية، وإذا بالعملية النوعية التي قام بها تعطي انطباعاً بأنه تمكّن من إعادة بناء تنظيماته كما جاء في صحيفة الواشنطن بوست .

كما أن نجاح هذه العملية سيعطي دعماً لجماعة “القاعدة” في سوريا على حساب المجموعات المسلّحة الأخرى، خصوصاً قدرتها على التنظيم وخفّة حركتها وسرعتها على الانتقال، علماً أن بين الهاربين من وجه العدالة مقاتلون أجانب وهم قادة الجيلين الأول والثاني من تنظيم القاعدة . وإذا فحصنا العملية، سنكتشف دليلاً جديداً على قدرة التنظيم الكبيرة، بحيث إن سيارات كانت تقف على مقربة من السجنين قامت بنقل الفارّين، بهدف تأمين اختفائهم على أمل نقلهم إلى مناطق أخرى لاحقاً، وهو ما يدفع سكان بغداد ومناطق أخرى إلى القلق من احتمال ارتكاب هؤلاء مجازر جديدة .

وظلّت الرواية الرسمية الحكومية بشأن عملية اقتحام السجنين غامضة، لاسيّما بشأن ما ورد من تواطؤات، في حين كان بيان الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، استعراضياً عندما تحدّث عن “قهر الطواغيت” . ولعلّ مجرد متابعة التفاصيل تضع الكثير من علامات الاستفهام على أداء الأجهزة الأمنية، خصوصاً عملية الاقتحام وساعة التنفيذ ترافقاً مع موجة من السيارات المفخخة، وعدد الانتحاريين الذين بلغوا ،12 وقطع الطرق المؤدية إلى السجنين وهما طريق بغداد- أبو غريب، وطريق بغداد – الموصل، بعد التخلّص من نقاط التفتيش المنتشرة على الطريقين، واستوجب الأمر استهداف قوات الجيش القريبة من الموقعين في مقر لواء المثنى ومعسكر التاجي بصواريخ “غراد” ورشقات من قنابل الهاون وشلّ حركة الامدادات الأرضية، ثم الاشتباك مع حراس السجن وقوات الحماية والأبراج المحيطة بها، وقد استمرت العملية عدّة ساعات، وهكذا تم فتح أبواب السجن ليخرج منه مئات السجناء .

وقد اتّخذ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعض الإجراءات بإقالة عدد من المسؤولين وإحالة العديد منهم إلى القضاء، لكن ذلك لم يخفف من موجة القلق العارمة وحالة السخط الشديدة التي عمّت الشارع العراقي، والتي جعلت البلاد كلّها تشعر بعدم الطمأنينينة، بما فيهم بعض أطراف العملية السياسية، ومن الصعوبة بمكان إعادة لحمة الثقة المتزعزعة في ظل انهيارات واختراقات للوضع الأمني، خصوصاً عندما يعاني المواطن ضنك العيش وشحّ الكهرباء والماء الصافي، وسوء الخدمات الصحية والتعليمية واستمرار الانقسام الطائفي والمذهبي والإثني، واستشراء الفساد المالي والإداري، حيث تعتبر الدولة العراقية منذ الاحتلال الأمريكي من أكثر الدول فساداً في العالم، وهو ما دأبت منظمة الشفافية العالمية منذ العام 2003 على تصنيفها سنوياً .

ومع كل ذلك يأتي الإرهاب وانفجار الوضع الأمني ليزيد الصورة قتامة والمشهد بؤساً، لاسيّما عندما يسمع المواطن أن ما صُرف على الأجهزة الأمنية يفوق على 20 مليار دولار، وأن ما صُرف على الكهرباء يزيد على 27 مليار دولار، حينها يدرك أن أمواله تهدر بلا حساب أو رقابة كافية، وأن مستقبله محفوف بالمخاطر في ظل انخفاض مستوى الخدمات الصحية وتفشي الكثير من الأمراض الجديدة وبعضها غير معروف، ناهيكم عن أنواع جديدة من السرطانات والتشوّهات الخلقية التي يعانيها كثير من الولادات الجديدة .

لقد ساد نوع من الهلع والوجوم لدرجة الفزع في الأيام الرمضانية التي شهدت عملية الهروب الجماعية، الأمر الذي ينذر بتهديدات جدّية، ارتباطاً مع تدهور الوضع السياسي الداخلي من جهة، والإقليمي، ولاسيّما في سوريا، من جهة أخرى، وقد كانت احتجاجات الأنبار التي تبعتها صلاح الدين والموصل وديالى وكركوك وأقسام مهمة من بغداد إنذاراً للحكومة، تبعتها تظاهرات البصرة والناصرية والعمارة وغيرها، إضافة إلى الاحتجاجات الكثيرة التي شهدتها الساحة العراقية .

وقد عاظمت هذه الانفجارات من ضعف الثقة بين الكتل السياسية، إضافة إلى نظام المحاصصة الطائفية والإثنية، خصوصاً أن وزارات مثل الداخلية والدفاع والأمن الوطني، إضافة إلى المخابرات العامة لا تزال شاغرة، أي من دون مسؤولية مباشرة بزعم عدم التوصّل إلى اتفاق سياسي بين الكتل المتصارعة، وكل ذلك يساعد على الاختراق الأمني، وفي المحصلة فإنه يشكل فشلاً كبيراً ليس للأجهزة الأمنية فحسب، بل للحكومة العراقية، لأن مثل هذا الخلل بنيوي وعضوي، لا يمكن معالجته إن لم يتم إعادة النظر بطريقة تأسيس هذه الأجهزة وقبول منتسبي الجيش وغير ذلك، فالأجهزة الأمنية والجيش هما نتاج اتحاد ميليشيات لا تجمعها في الكثير من الأحيان عقيدة عسكرية، بل إن ولاء بعضها لا يزال للأحزاب أو الجماعات التي رشحتها، وقد كان لقرار بريمر الحاكم المدني الأمريكي في العراق بحلّ الجيش العراقي، الأثر الكبير في تدهور الوضع الأمني، خصوصاً بنقص الخبرات والتأهيل، ناهيكم عن المحاصصة .

إن الحكم بالنجاح أو الفشل على أية حكومة يعود إلى قدرتها في ضبط الأمن والنظام العام والحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين، ولا يكفي التذرّع بحجّة صندوق الانتخاب، فهذا الأخير لا يعتبر وحده مؤشراً كافياً للنجاح حتى وإن كان هو وراء مجيء هذه الحكومة، لكن فشلها في ضبط الأمن وشعور المواطن بعدم الثقة وعدم الطمأنينة، هو الذي يعطي شرعية، وبالتالي يحدّد نجاح أي جهاز أمني أو أية حكومة، وقد انعكس الوضع السياسي على الوضع التشريعي، فتعطّلت السلطة التشريعية بسبب الخلافات الحادة بين الكتل وتأجّل الكثير من مشاريع القوانين ذات الصلة المباشرة بحياة الناس، بما فيها قانون الانتخابات، في حين نوقش قانون لتحديد الرواتب التقاعدية لأعضاء مجلس النواب، وهو أمر مستغرب وغير مألوف، ولذلك أثار سخط الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني .

إن معالجة الوضع الأمني تحتاج إلى توافق سياسي وطني، يُبعد الجيش والأجهزة الأمنية عن المحاصصة الطائفية والمذهبية والإثنية، بل يجنبها كلياً الخوض في السياسة ومتاهاتها، ويتعامل مع منتسبيها على أساس مهني ووفقاً لعقيدة عسكرية تجعل الولاء للوطن والشعب وحدهما دون سواهما الأساس في الانتماء والولاء، باعتبار أن وظيفة الجيش هي للدفاع عن الوطن وللبناء، ومهمة القوى الأمنية الداخلية الدفاع عن أمن الدولة والمجتمع والحفاظ على النظام العام، وليس للحكومة دالة على الجيش والقوى الأمنية، الاّ بمقدار تحقيق وظائفهما الأساسية، لأنهما ملك للدولة وليس لأية حكومة، وعدا ذلك ستكون الدولة عرضة للتشظي والتفتت والتقاسم، إذا استمرت عملية المحاصصة، وهذا هو السبب وراء انعدام الثقة أو ضعفها داخل المؤسسات العسكرية والأمنية وبين الكتل السياسية، وهي وجه آخر للإرهاب!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *