تقلبات الزهاوي

تقلبات الزهاوي
آخر تحديث:

د. حسين القاصد

المال والجاه والوظيفة والاعلام ، وهي الاحتياجات الأهم لدى الشاعر كي يرضي طموحه ويحقق مجده الشعري اسوة بالسلف العباسي ، فضلا عن اطمئنانه واستقراره بعيدا عن الفقر والعوز . وهو الامر الذي دفع الدكتور علي عباس علوان بالتشكيك بعقائد الشعراء حيث تنقل الشعراء بين معتقدهم وخصومه ، وهو أمر متوارث ، فمازلنا نقول ان الشاعر ينحو منحى شعراء العصر العباسي والاموي ، ولنا في العصرين شواهد كثر ، ولنا في القرن العشرين امثلة اكثر على تنقل الشاعر بين السلطة وخصمها او السلطة والسلطة المنقلبة او الثائرة عليها ، واغرب مايكون عليه الشاعر هو انكار ماكان عليه ، وكأن لا أحد كان مخلوقا حين قال قصيدته ، لذلك نجد الزهاوي يقول : لسلطاننا عبد الحميد سياســـة طريقتها في المعضلات هي المثلى سللت لنصر الدين سيف عزيمـة فللت بـــه ما لم يكــــــــن فلّه سهــلا فجهزت جيشاً للجهاد عرمرمــاً
 قهرت بـــه ذاك العــــــــــدو الذي ولى.
 وقد راقت هذه القصيدة للسلطان وامر بتعيين الزهاوي واعظاً عاماً في اليمن عام 1897م وبعد عودة الزهاوي كرّمه برتبة دينية ووسام مجيدي من الدرجة الثانية وقيل من الدرجة الثالثة ، وكما هم الشعراء مختلفون بالتوجه والنزعة والميول نرى ان بعض النقاد او الباحثين يحاول ان يرفع من شأن النص الذي يمثل توجهه ومعتقده ؛ فبينما كانت القصيدة واضحة المدح وكان لدى الزهاوي من التقلب مالا يحتاج للبحث والتمحيص ، وحيث يذهب هلال ناجي في كتابه ( على الهامش ) الى أن الزهاوي يرى أن السلطان عبد الحميد يمثل رمز الخلافة الإسلامية.
 وما قصائده في مديح هذا السلطان الا لإيمانه بهذه الخلافة) ، نجد ان مدائح الزهاوي للانكليز تدحض ماذهب اليه هلال ناجي ؛ ولا اوضح من ان قصيدة الفتح الحميدي للزهاوي هي للمصلحة الشخصية التي سرعان 
ماجاءت نتائجها بتعيينه .
 ان اغرب مافي الامر وبعد التنقل بين العثمانيين والانكليز هو قول الزهاوي : إنني شاعر ولكنني في كل عمري بالشعر لم أتكسب وقد يدعم الدكتور علي عباس علوان مايريده الزهاوي في هذا البيت من عدم التكسب بالمال فهو (لم يمدح لحاجته الى المال وهو ينتسب الى أمراء الأكراد ) لكن التكسب لا ينحصر بطلب المال ، وخير دليل هو مكافأته بوظيفة او منصب في اكثر من مناسبة ، وهو ما بدا واضحا في مدحه للملك فيصل الأول اذ أهدى رباعياته إليه ومدحه وكرر مدحه طامعا بمنصب وزارة المعارف والى هذا ذهب الدكتور يوسف عز الدين واستشهد بقوله: إنا محيوك فاسلم أيها الملك ومصطفوك لعرش زانه الفلك ومن الغرابة ان نجد رأيا يقول : ( وبعد تأسيس الحكم الملكي في العراق رفض عرضا من الملك فيصل الاول أن يكون شاعر البلاط ، وترتبت على حملته القائمة فصله من الوظيفة ” في العدلية ” ثم دعواته الى المثقفين أن لايبيعوا انفسهم الى الحكومات ) والرأي لصاحب كتاب (الزهاوي ، دراسات ونصوص ، جمع واعداد عبد الحميد الرشودي ) ، لأن الزهاوي ( عند تأسيس الحكومة العراقية عيّن عضوا في مجلس الاعيان ) ، ولأن طموحاته اكبر ولأن تعيينه في مجلس الاعيان لايمثل منتهى طموحه حيث كان يمني نفسه بأن يكون شاعر البلاط ،أحس بخيبة مساعيه وخاطب نفسه : أين عزي في دولة الأتراك أنا مما فقدته أنا باكي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *