بغداد/شبكة أخبار العراق- لم يكن الخميس 20/6/2019 يوما عاديا في تاريخ ترامب السياسي، ففيه عاش لحظات عصيبة وأوقاتا دقيقة كان عليه أن يتخذ خلالها قرارا لم يكن يسيرا بأي حال، فكيف أدار الأمر؟ وكيف مرت تلك الساعات “العصيبة” وربما الطويلة في البيت الأبيض؟بين الوعد والوعيد والتهديد والتلطيف، عاش العالم اليومين الماضيين على قرارات وتصريحات متناقضة من الرئيس ترامب، فتارة يحبس الجميع أنفاسهم بانتظار الطلقة الأولى في حرب الخليج الرابعة على وقع التسريبات والتهديدات، وتارة أخرى يتنفسون الصعداء حين ينزل الرئيس من أعلى شجرة التصعيد ويبعث رسائل تهدئة وتطمين.ومن المفارقات أن ترامب الذي يرعد ويزبد ويهدد ويتوعد الآن بالحرب والموت والدمار، هو أيضا من أشد منتقدي التدخلات العسكرية الأميركية، وكان الانسحاب من الصراعات والحروب الخارجية من أهم وعوده الانتخابية.ويفتخر ترامب بانتهاج إستراتيجية مغايرة لأسلافه أرفقت برفع الموازنة العسكرية، مما قد يرغم خصوم واشنطن على اللجوء إلى التفاوض. لكن مراقبين ومعارضين يشعرون بالقلق من مخاطر الانزلاق.
إحدى مشاكل ترامب التي جعلته يبدو متناقضا في مرات عديدة هي ضعف خبرته السياسية وعدم معرفته -وفقا لخبراء- بالقوة العسكرية لبلاده ومتطلباتها واستحقاقاتها، فهو يتصرف في أحيان كثيرة بالحدس ولا يعتمد على خطط مدروسة حسب تعبير الكاتب الصحفي الأميركي الشهير توماس فريدمان.يضرب فريدمان مثالا على ذلك -في مقال منشور بصحيفة “نيويورك تايمز”- بتهديده بتدمير كوريا الشمالية وإيران، حيث أخبر الكوريين الشماليين أنَّه إذا اضطرت واشنطن للدفاع عن نفسها وحلفائها من هجوم صاروخي “فلن يكون أمامنا خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل”، وهو المنطق ذاته الذي استخدمه اليوم بحق طهران “إذا أرادت إيران القتال، ستكون هذه هي نهايتها الرسمية”.وتساءل فريدمان ماذا يعني ذلك؟ هل ستسقط الولايات المتحدة سلاحا نوويا على إيران التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة؟ هل سيجعل كوريا الشمالية تتوهج في الظلام من الإشعاع دون الإضرار بكوريا الجنوبية أو اليابان أو الصين؟يجيب فريدمان بأنه “في الواقع، هذه لغة شخص لا يعرف شيئا عن القوة العسكرية، ولديه شعور مبالغ فيه بما يمكن أن ينجزه”.
بيد أن مشاكل ترامب لا تقف عند نفسه، بل تمتد أيضا إلى مستشاريه وأعوانه، فقد أحاط الرجل نفسه بمجموعة من المحافظين الصقور، ومع ذلك لم يحظ بانسجام في فريقه، ويستشف من خلال تغريداته وتصريحاته الأخيرة نوعا من الشكوى التي لا تصل حد التذمر من ذلك.فقد صرح في وقت سابق اليوم السبت بأنه لم يقرر شيئا بعد بشأن إيران، وعزا ذلك ضمنيا “إلى أنه محاط بمستشارين يدلون بوجهات نظر متباينة جدا”.واختار ترامب أن يعطي صورة أو تقييما سريعا لبعض أعضاء فريقه الرئاسي، مشيرا إلى أنه إذا كان مستشاره للأمن القومي جون بولتون من “الصقور” وكثيرا ما يدافع عن “سياسة متشددة”، فإن آخرين “يتبنون سياسة أخرى” و”الوحيد الذي سيتحمل (المسؤولية) هو أنا”.وفي موقف آخر بدا غريبا وغير معهود، تحدث الرئيس ترامب عن تفاصيل عملية صنع القرار، وشرح لماذا تراجع في الدقائق الأخيرة عن ضرب إيران وقال إنه طرح سؤالا عن عدد القتلى المفترضين فجاءه الجواب: 150 شخصا، وهو أمر رأى فيه الرئيس “المتردد” عدم تناسب بين الفعل وردة الفعل.
وجاءت هذه النتيجة بعد أربعة اجتماعات طويلة عقدت لنقاش ردة الفعل المفترضة بعد إسقاط إيران طائرة عسكرية أميركية مسيرة. وبدأ أول هذه الاجتماعات -وفقا لوسائل إعلام أميركية- في السابعة صباحا من يوم الخميس20/6/2019 بين مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الدفاع بالوكالة باتريك شانهان، وفي الساعة 11 اجتمع ترامب بفريق أمنه القومي، ثم في الثالثة التقى ترامب قادة الكونغرس، لينعقد في السادسة مساء لقاء آخر في مكتب وزير الدفاع بالوكالة، حذر فيه رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جوزيف دانفورد من تداعيات الهجوم.ووفقا لبعض وسائل الإعلام، فقد صدر أمر الهجوم العسكري على إيران من طرف ترامب في الساعة السابعة مساء، ثم تراجع عنه في الساعة الثامنة مساء قبل وقوع الضربة بعشر دقائق فقط.وقد أثار تراجع ترامب عن الضربة ارتياحا كبيرا في أوساط الكونغرس، ولكنه فتح بابا آخر على الرجل، حيث اتُّهم بالتردد وربما الضعف، وهو الجدل الذي علق هو عليه اليوم السبت 22/6/2019 مازحا “الجميع كان يقول عني إنني أهوى الحروب، والآن يقولون إنني حمامة”.