العنف مادة إعلامية بقلم د. بشرى الحمداني

العنف مادة إعلامية    بقلم  د. بشرى الحمداني
آخر تحديث:

 بغداد: شبكة اخبار العراق-أصبح من الواضح أن الحروب ومناطق الاضطرابات تشكل مادة ممتازة ومؤثرة للإعلام الحديث، كما هي في السابق موضوع مثير للرسام والشاعر. فالحياة العادية السوية لا تشكل مادة للإعلامي الباحث عن الخبر الجديد الخارج عن المألوف. ذهاب الطلاب اليومي إلى المدرسة وخروج الناس إلى العمل أو إلى السوق والحياة العائلية في البيت، أي كل مظاهر الحياة المسالمة اليومية لا تشكل مادة مغرية للإعلامي الباحث عن الخبر المثير، إنما عمليات القتال بما فيها من هجوم ودفاع ودوي مدافع وحرائق بيوت وقوافل مهاجرين وصور الدمار والقتل والأسر. واخذت  أخبار العنف تجد لها صدى داخل المتلقي، فالحرب والعنف باتت  يغذيان تلك الثنائيات الغريزية (القوي والضعيف، الشجاع والجبان، الموت والحياة).  وقد شكل العنف اليومي في الوطن مادة أساسية للإعلام العربي والدولي،وغالبا ما يكون هذا العنف مادة الصفحة الأولى في الصحف، والخبر الأول أو الثاني في أخبار الفضائيات. بدليل  أن مبيعات الصحف تزداد كلما تصدرها واحد من خبرين، الأول خبر يهم مجموعات كبيرة من الناس مثل صرف أو زيادة في رواتب المتقاعدين.  إعادة مفصولين.  تحسن في التيار الكهربائي، الخ.والثاني أخبار العنف مثل السيارات المفخخة، القتال في الفلوجة أو النجف، أخبار الإغتيلات والإعتداء على المقدسات الدينية وصور المعتقلين وغيرها.. ويزداد اهتمام الناس بأخبار العنف كلما كان الوصف أو الصورة تفصيليا.  ولذلك تتفوق الفضائيات التي تنقل الخبر بالصورة ويضمحل تأثير التحليل أمام الخبر.ويرى فئة من المهتمين والمختصين بهذا الجانب  أن المتابع لأخبار منطقة الشرق الاوسط في وسائل الاعلام العربية والعالمية خلال العامين الاخيرين لا بد ان يصيبه قدر من الملل واليأس من هذه المنطقة التي لا تنتج سوى اخبار قتل وذبح وتفجيرات بدون أي افق لشيء مختلف يدعو الى التفاؤل.   فحتى الدخول الاعلامي العربي تلفزيونيا الى الساحة العالمية جاء – بلا فخر- من خلال بيانات وشرائط تهديدات بتفجيرات، او بأشرطة اختطاف واعدام رهائن، وهي بدون شك تدخل في اطار السبق الصحافي لكنها ايضا تدعو الى الغثيان…. اما شريط الاخبار او العناوين فهي عادة ما تكون بعنوان مقتل كذا او انفجار يحصد كذا قتيل وجريح، واصبحت كلمة مقتل تتكرر يوميا بشكل ملح، مع اختلاف العدد في كل مرة وليصبح العنف خبزا يوميا في ما يصل الى المتلقي العربي، او ما يصل المتلقي خارج المنطقة عن المنطقة. أن مشكلة هذا العنف ليست سياسية او اقتصادية فقط، ولكن في اثرها النفسي والاجتماعي على المتلقي، فأخطر ما يمكن ان يحدث هو الاعتياد على العنف، ليصبح طريقة حياة، أو أمرا يمر الناس امامه مرورا عابرا، والاعتياد يمكن ان يأتي من خلال الضخ اليومي لمادة العنف في اذهان الناس وخاصة الاجيال الناشئة التي لا يزال يتشكل وعيها. فالاعتياد على الدم قد يخلق وحوشا يصبح من الصعب السيطرة عليها، وغالبا ما ينقلبون على مجتمعهم ويحولونه الى ساحة للصراع والدم.فحين يشاهد أحدنا فيلماً مصوراً عن نمر يطارد غزالة رقيقة ثم يقوم بافتراسها وينهش لحمها، أو آخر يصور نسراً كاسراً ينقض على حمامة وديعة فإن ذلك يثير مشاعر الأسى والتعاطف مع المخلوقات الضعيفة..ولكن أصبحنا نشاهد في نشرات الأخبار على القنوات الفضائية المتعددة مشاهد تفوق أقصى ما وصل إليه الخيال في أفلام العنف التي كان يتسلى بمشاهدتها الشباب.. وأصبحت مشاهد القتل وجثث الضحايا والقذائف التي تفتك بالبشر وتسبب الدمار للمباني والممتلكات معتادة ومتكررة لدرجة لم تعد تحرك الكثير من مشاعر الناس في أنحاء الأرض.  اما في المنطقة العربية والعراق بالتحديد الذي عانى من حروب متمثلة بحرب الخليج الاولى في عقد الثمانينيات وحرب الخليج الثانية في عقد التسعينيات من القرن الماضي فضلا عن حرب 2003 في مطلع القرن الحالي وما اعقبها من مظاهر العنف التي سادت في الشارع العراقي.مع هذا لم تجر دراسات جادة وشاملة حول مدى ما يمكن ان تحدثه وسائل الاعلام من تعزيز العنف او تقليله اذ ان هذه الدراسات خاصة في اقسام الاجتماع وعلم النفس والاعلام ضرورية من الناحية العلمية والعملية للاستفادة من نتائجها في توجيه وسائل الاعلام العراقية وحثها على تعزيز برامج معينة والابتعاد عن برامج اخرى ينظر اليها على انها تعزز العنف، لكن الواقع العملي يثبت تواضع الدراسات التي توجهت الى العنف وتاثير وسائل الاعلام في تعزيز او تقليل حدة العنف خاصة في كليات الاعلام العراقية ومراكز الابحاث المهتمة بوسائل الاعلام وقياس تاثيراتها على الجمهور.اما الدراسات الغربية في هذا المجال فيمكن الاستئناس بنتائجها لكن من الصعب تعميم نتائجها لاختلاف المجتمع العراقي او العربي عن المجتمعات الغربية اذ لكل منها خصوصيته وخصائصه خاصة اذا ما علمنا ان هكذا دراسات قد تطول الى ثلاث سنوات لذلك فان نتائجها قد تختلف في البلد نفسه الذي اجريت فيه الدراسة مع التغيرات الاجتماعية في الحقب الزمية المتعاقبة فما بالك لو تم تعميم نتائجها واخذ قوالبها الجاهزة للتطبيق على مجتمعاتنا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *