شناشيل : بين النزاهة والشفافية

شناشيل : بين النزاهة والشفافية
آخر تحديث:

 

عدنان حسين

في الموقع الالكتروني لهيئة النزاهة قرأتُ أمس بياناً من الهيئة تُبدي فيه ملاحظات على التقرير السنوي لمنظمة الشفافية العالمية حول مؤشرات الفساد الإداري والمالي في العالم. وكما في الأعوام العشرة الماضية فإن التقرير أبقى على العراق في خانة الدول الأكثر فساداً.

بالطبع نحن –عامة الناس في هذي البلاد– لم نكن لنحتاج الى تقرير الشفافية الدولية لنكتشف ان الفساد الإداري والمالي يعصف بأركان دولتنا وبمفاصلها، فحتى كبار المسؤولين في الحكومة والبرلمان والقضاء ما انفكوا يقرّون بان الفساد هو في مستوى إرهاب داعش في تهديده الخطير لكيان الدولة. المنظمة الدولية لم تتبلَّ على دولتنا بتصنيفها الى جانب الأفسد من دول العالم.

في بيانها تؤاخذ هيئة النزاهة المنظمة الدولية عن عدم فتح مكتب لها في العراق، وترى أن هذا مما يجعل تقارير المنظمة “تفتقر الى الدقة والموضوعية”، ويجعل المنظمة نفسها “غير مطلعة أو مدركة لنشاطات أجهزة العراق الرقابية المتمثلة بهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ومكتب غسيل الأموال وما حققته هذه الأجهزة من نتائج تجد أثرها في الواقع”، وترى أيضاً ان منظمة الشفافية “لو كانت حريصة على نقل الصور الواقعية لما موجود فعلاً في هذا البلد لعمدت الى انتقاء المعلومة من منهلها الأساسي دون اللجوء إلى ما هو بعيد عن الواقع”!

هذا كلام يمكن أن يصحّ في بلد كبريطانيا أو ألمانيا وليس في بلد بين دولته ومبدأ الشفافية عداء مستحكم، إن في عهود الدكتاتوريات البائدة أو في هذا العهد. دولتنا لا يوجد فيها قانون يُلزم بإتاحة المعلومات للإعلام أو الهيئات والمنظمات الوطنية والدولية أو الناس العاديين. منذ سنوات نكافح، نحن الإعلاميين، لاستصدار قانون يكفل حرية الإطلاع على المعلومات وحرية نشرها وبثّها، بيد ان الحكومة السابقة، بدلاً من ذلك، تقدّمت الى البرلمان بمسودتي قانونين تقيّدان على نحو مُشدّد حرية التعبير، هما مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي ومسودة قانون جرائم المعلوماتية، فضلاً عن “قانون حقوق الصحفيين” الذي شُرّع في العام 2011 واستخدمته الحكومة السابقة للعمل على كبح حرية التعبير عبر وسائل الإعلام.

ليس بوسع أي وسيلة إعلام وطنية أن تحصل على ما تريد من معلومات من دوائر الدولة المحكوم موظفوها بقوانين تحظر عليهم تقديم هذه المعلومات التي تُعامل بوصفها “أسراراً”، فكيف يمكن لمنظمة دولية أن تحصل على ما تريد من معلومات في وضع كهذا؟

هيئة النزاهة نفسها التي يُفترض أنها مصدر غني بالمعلومات عن قضايا الفساد الإداري والمالي، تمتنع عن الإفصاح عن الكثير من معلوماتها الا إذا أرادت الحكومة ذلك أو سمحت به. وآخر الأمثلة على هذا ان الهيئة أعلنت أخيراً عن إدانة 1736 مسؤولاً وموظفاً بتهم فساد خلال العام الماضي، بينهم أربعة وزراء و53 مديرًا عامًا، لكنها لم تفصح عن اسم واحد من هؤلاء.. والحجة التي يقدمها عادة مسؤولو الهيئة تبريراً لذلك ان للمدانين عوائل، لكن الهيئة نفسها لم تتورع عن اتهام محافظ البنك المركزي السابق ونائبه وعدد من أفضل وأنزه خبراء البنك علناً وإصدار أحكام في حقهم (ألغاها القضاء لاحقاً)… لأن الحكومة السابقة كانت تريد ذلك بإلحاح، لغرض في نفس يعقوب!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *