عدنان حسين
يومياً يُقتل في البلاد العشرات من البشر، ومن المعتاد أن يقضي بعضهم اغتيالاً بالأسلحة كاتمة الصوت أو المدوية، بيد ان عملية اغتيال شيخ عشيرة الجنابات قاسم سويدان مساء الجمعة الماضي في بغداد كانت ذات دوي أقوى من غيرها لأنها ذات بعد سياسي – طائفي.
المغدور الشيخ سويدان قُتل معه أحد أبنائه وثمانية من حراس ابن أخيه النائب زياد الجنابي الذي اختطفه القتلة وأطلقوا سراحه لاحقاً بعد أن تعرض للعنف الجسدي والنفسي على أيديهم، وهذا مما أعطى قوة أكبر لردود الفعل على الجريمة.
بصرف النظر عن التفاصيل، فان الحادثة مثّلت اختباراً لقرار رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، بحظر حمل السلاح في مناطق من العاصمة دون غيرها.. هو اختبار نتيجته الفشل في الواقع وهذا ما كان متوقعاً، فالمشكلة أكبر وأعمق من وجود السلاح في أحياء الكرادة والكاظمية والأعظمية والمنصور والسيدية .. المشكلة عامة شاملة في كل أحياء بغداد وفي جميع المدن والبلدات والقرى .. والمشكلة هي بالذات مشكلة وجود السلاح الثقيل والمتوسط لدى جماعات مسلحة رخّصت لها الحكومة السابقة بالنشاط المسلح، وتركت لها الحكومة الحالية الحبل على الغارب.. لا تقولوا إن الرخصة كانت بسبب اجتياح داعش لثلث مساحة البلاد ووصوله الى مشارف العاصمة.. هذه الجماعات كانت ناشطة قبل ذلك بسنة وأكثر.
حادثة الاغتيال المروّعة التي جرت في شارع فلسطين الحيوي الضاج بالحركة ليلاً نهاراً، تمثل إعلاناً بان سياسة الإمساك بالعصا من الوسط التي ينتهجها السيد حيدر العبادي في ما يتعلق بالجماعات المسلحة وأنشطتها هي سياسية غير مجدية. أوضاع البلاد متوترة للغاية وحساسة للغاية ومعقدة للغاية .. هذا صحيح تماماً، وهو ما يتطلب ويستدعي التشدّد في الموقف حيال وجود السلاح خارج سيطرة الدولة وقواتها وأجهزتها المختصة.
نزع السلاح في مناطق أو مدن وإبقاؤه “فالتاً” وسائباً في مناطق ومدن أخرى لا ينفع في شيء .. ما ينفع هو تحريم وجود الجماعات المسلحة، وما ينفع هو نزع سلاح الأحياء والمدن كلها من دون أي استثناء، وما ينفع هو حصر السلاح في أيدي الدولة.
حتى لو كان داعش هو من يقف فعلاً وراء جريمة شارع فلسطين، فان هذا التنظيم الإرهابي ما كان في مستطاع عناصره أن تنفّذ جريمتها بدم بارد وتفلت من قبضة أجهزة الدولة لو لم تكن البيئة القائمة في العاصمة وسائر المدن مناسبة تماماً لعمليات من هذا النوع .. قبل حادثة شارع فلسطين كانت عمليات القتل تجري يومياً، وبعدها ستبقى كذلك الى أن يصدر القرار الحازم الحاسم بعدم شرعية حمل السلاح والتصرف به خارج نطاق القانون، أي خارج نطاق الدولة، وبالضرب بيد من حديد قولاً وفعلاً على أيدي الخارجين عن القانون.