قراءة في “الصدام الثقافي الاسلامي”

قراءة في “الصدام الثقافي الاسلامي”
آخر تحديث:
 بغداد/شبكة أخبار العراق- مازال البعض يرى في الصدام الثقافي “الإسلامي” مع الثقافة الغربية، أمراً لا يمكن تجاوزه، وهو ماض إلى سبيله في “خصام” حضاري أبدي، تتسّع فجوته بتقادم الزمن، واتساع الفوارق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مستمداً حيويته من أصول تأريخية، تعزّز الخلاف والاختلاف. ومن غير إلقاء الكلام على عواهنه، فان ثمّة من يقف على طرفي نقيض، غير عابئ بهذا المنطق، فيقول ان من المشتركات الحضارية والفكرية، ووقائع التاريخ، ما يسهم في الوفاق الحضاري، والانسجام الثقافي، وان بعض صور الصِدام التي تحدث بين الفينة والأخرى، مثل إعدام تنظيم “داعش” الإرهابي لأفراد غربيين، أو الهجوم على محرّري، ورسامي صحيفة “شارلي إيبدو” في باريس، أو نشر الرسوم “المسيئة” إلى المسلمين، ماهي إلا عقد عابرة في آصرة الحضارة الإنسانية المشتركة بين الشرق والغرب.
تطور إيجابي

ويكشف الكاتب اللبناني عبد الوهاب بدرخان، وهو الذي عاش شطراً كبيراً من حياته في العاصمة البريطانية لندن، عن ان “التطور الإيجابي في جدل الصراع الثقافي بين حضارتين، وبالمقارنة مع أحداث سابقة مشابهة.فان ردود الفعل العربية كانت في حادثة الاعتداء على الصحيفة الفرنسية أكثر وضوحاً، فالخطاب الثقافي الغربي كان جذرياً، وفقاً لما يُتوقع منه، أي إدانة قاطعة للعمل الإرهابي في حد ذاته ولاستهدافه حرية التعبير، فيما الخطاب الثقافي العربي، كان بأكثر من لهجة: في حدّه الأقصى متماهٍ كلياً مع الخطاب الغربي ومتبنٍّ لـ (أنا شارلي)، وفي حدّه الأدنى مستنكر للعمل الإرهابي ومحاذر لأن حرية التعبير الموافقة على نشر الرسوم المسيئة”. ويَخْلص الكاتب رشيد الخيون إلى الاستنتاج بأنه “لا يرى أن الشخصية العربية والمسلمة قد انزوت، بل العكس، فقد كتب بما فيه الكفاية، لكن الكتابة جاءت على نوعين، الأولى، كتابة المعادين للإرهاب وادانة الجريمة والتحذير من (الإسلام السياسي)، الذي لا تبدو قوى التطرف بعيدة منه، بل انسلت منه أو تناسلت إذا صحت العبارة، وهؤلاء الكتاب لم يخلطوا الأوراق ولم يجعلوا ما حصل بباريس ثأراً لاحتلال فرنسا وحربها بالجزائر، أو ثأراً لغزو العراق، ففي هذه النظرة تبرير للإرهاب في شكل من الأشكال. أما النوع الآخر من الكتابات والتي اعتبرت الجريمة حدثاً له ما يبرره، فهي الأخرى انقسمت على قسمين، الأول مثّله (القوميون) أو (الثورجية)، معتبرين التطرف، ثأراً لماضي الاستعمار في المنطقة، والقسم الآخر كتابات الإسلاميين”. 
خطوط حمر
ويكشف الكاتب والباحث الأكاديمي الفلسطيني، أسامة عثمان، عن ان “ثمة تباينات على المستوى الفكري، فمِن وجهة النظر الغربية تُدرج الرسومات الكاريكاتورية المسيئة في حرية التعبير، فيما يضع الغرب، خطاً أحمر، يمنع التشكيك في (الهولوكوست)، حتى لو ورد هذه (التشكيك) في سياق علمي بحثي محض”. وعلى منوال عثمان، يستمد الكاتب والشاعر العراقي، عباس الحسيني، المقيم في الولايات المتحدة، رؤيته من تجربته الطويلة في الغرب، فيقول ﻟ “الصباح”، ان “العقل الباطن العربي يسرح في تخيلات، لقراءة الواقع المظلم، ولا أمل في الخروج منه، إلا في تغيير مناهج التدريس وادواتها والقضاء على الوعي الكلاسيكي”. فيما كان الباحث الاكاديمي محسن علي عطية، المقيم في العاصمة الأردنية عمّان، في حديثه ﻟ “الصباح”، أكثر إيغالا في “اتهام” العرب، بانهم “أدوات الغرب في إلحاق الهزيمة بالخطاب العربي”.ويجرأ الباحث نزار حيدر، على القول من مهجره في الولايات المتحدة، بأن “سيطرة مفاهيم مثل التكفير وإلغاء الآخر ونشر الكراهية، واحتكار الحقيقة في مجتمعاتنا شوّه صور الثقافة الإسلامية بين الغربيين”.
صناعة غربية
على انّ الفنانة التشكيلية، بتول الفكيكي، وعلى الرغم من إقامتها الطويلة في العاصمة البريطانية، فانها تشكّك في الأهداف الغربية، من تأجيج نار الصراع الفكري، فتقول  ان “الصراع صناعة غربية، لطرد المسلمين من الدول الغربية”.. وفي خضم آراء مختلفة، فان ثنائية “شرق وغرب”، مازالت الأساس الذي تُبنى عليه الكثير من المواقف العربية والإسلامية والغربية، على حد سواء.وإذا كان التطرّف والتكفير، تمخّض عن إرهابيين في منطقة الشرق الأوسط، بصورة خاصة، لاسيما في العراق وسوريا، فان سوء الفهم أو الوعي المقصود في الكراهية للإسلام من قبل بعض الغربيين، ولّد نماذج “هذيانية” تحكّمت في بعض مفاصل الإعلام الغربي، للإساءة الى الشرق بشكل عام.ان الحاجة إلى الانفتاح، على طاولة الحوار المشترك سوف تتيح صورة جديدة، ترسمها نظرة استشراقية منصفة، ورؤية عربية إيجابية تجاه إنجازات الحضارة الغربية، بعيدا عن “المراوغة” الثقافية، التي تكرّس سوء الفهم والتقدير. والموضوع برمّته، فانّ فك العقد العقائدية التي أحكمت شدّها أحداث مطلع القرن الحادي والعشرين، وأبرزها هجمات الحادي عشر من ايلول 2011، والحرب في أفغانستان والعراق، سيحول دون انتعاش “الحقد الثقافي” على المسلمين والعرب في الغرب، مثلما يسهم في انحسار نزعة التكفير و الكراهية للغرب بين صفوف المتطرفين في الشرق.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *