ناجح المعموري و”تقشير النص”

ناجح المعموري و”تقشير النص”
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- سرائر الأسطورة وحفرياتها هي المجال الاشتغالي للباحث ناجح المعموري، مثلما هي منطقة (اللغة الثانية) التي يستنطق عبر حمولاتها وسردياتها وشفراتها علائق المتخيل الأسطوري برؤيا العالم، وبما يضع قراءاته التأويلية لها بمستوى الكشّاف الذي (يقشّر) النص ويهبه سحر الخلق والتعري والتحول.منهج حفريقراءة المعموري للأسطورة العراقية تتجوهر حول فكرة (تقشير النص) تلك التي تحوله الى خطاب تداولي أو طقوسي، وإلى إركيولوجيا بحث في ما هو سردي، وفي كل ما يمكن أن يتكشف من معان خبيئة للنصوص/ الألواح ولرموز الخلق والألوهية، ولعلائق هذا الخلق برمزية القراءة للأصول، ولتحليل مدوناتها في كشف علاقة الإنسان بالحياة والوجود، وعبر التعرّف على ظواهر الموت والخصب والانبعاث، بما فيها السيرورات التي ترتبط بتمثيل النص الأسطوري كما يسميها المعموري، وبـ»جينيالوجيا» الفكر الديني، بوصفه حاملا رمزيا لاستكناه كل ما يتعلق بأسطورة الخلق، فضلا عما يستحضره من وظائف تخص المعرفة، وتخص تأويلها، مثلما تخص علاقة هذا التأويل بالمنهج الحفري ذاته، الذي يفعّل مستويات القراءة، عبر مقاربة ما هو راكز في اللغات القديمة، وفي مثيولوجيا النقوش والطقوس والعقائد والأرواح والعلامات- الحية- الجسد الأنثوي- الشجر الوحش- الماء- العفاريت، وعبر ما له علاقة أيضا بالعبادات البدائية وتمثلاتها للمقدس والتجسيد والعلامات وأداء الطقوس والشعيرات.قراءة المعموري هذه، مقاربة دائبة لأسطورة فكرة الخلق، ولإعادة توصيلها بالمتخيل الأسطوري العراقي، والكشف عبر ما ورد في ألواحه من أنظمة للطقوس والعبادات، وأسرار تخص ملوك المدن، وآلهتهم وعوالمهم العليا والسفلى، وما يمكن أن يرشح منها من علامات ونصوص وأحكام وتشريعات، ولعل كتاب (تقشير النص) الذي كتبه المعموري كقراءة لـ (أسطورة أنانا كلكامش وشجرة الخالوب) يمثل (سعيا من أجل التوصل لما هو جديد في قراءة هذه الأسطورة، وذلك بالكشف عن مستوياتها الداخلية، ومعرفة آلية العلاقة بين الشخوص، وتجاوز البنى واختلافها مع بعضها)  فضلا عن كونها قراءة تدخل في إطار النقد الثقافي للتعرّف على أنساق تحولات النظام الثقافي والديني في تلك الأسطورة عبر مرحلتين مهمتين من التاريخ العراقي القديم، وهما السومرية والأكدية.الأساطير العراقية في تلك المراحل تمثل أكثر العتبات النشوئية التي قاربت فكرة الخلق، إذ تحولت إلى مجال توليدي لـ(بنية فنية وفكرية) نتلمس من خلالها المتغيرات، مثلما نستنطق عبرها الأفكار المجاورة في مقاربة المتعقدات، وأساطير الآلهة القديمة المهيمنة على منظومة العبادات، وعلى تتبع علامات المصير الإنساني منذ بدء الخليقة، حتى تبديه في أسطورة الخلق البابلية كتمظهر للصراع وللحكمة والقوة، والسلطة ولمواجهة ثنائية الحياة والموت، وعلى تأويل كل العناصر التي تدخل في ما تبثه الأسطورة، أو ما يسميه المعموري بالتوصل لمعرفة المهيمنات الخارجية.أدرك المعموري أهمية فكرة التأسيس المنهجي في قراءة البنية الأسطورية، وفي التعرّف على تأويلاتها وبواعثها، وبما يمكن أن يؤسس لمستوى جديدة لقراءة النص/ اللوح في الأسطورة، وكذلك في الملحمة، ولإضاءة بعض جوانبها التي تتصل بالنظام الثقافي، والنظام التعبدي.أسفار كلكامشأهمية هذه القراءة تكمن في معرفة الأصول التفكيرية الأولى (بالأساطير المولدة) والكشف في حفريات مستوياتها وعلائقها، من منطلق علاقة الأساطير بالإنسان، بوصفها علاقة مهيمنة، وتقوم على بنى غير متجانسة، لكنها تحمل في داخلها قوى تفكيك هائلة كما يقول دريدا، وهذا ما يجعل استنطاقها قريبا من كشف التناقضات والفجوات والمؤثرات، تلك التي تؤدي الى تشظيات في معرفة سرائر الخلق، ومعرفة القوى المولدة والقهرية، القامعة والحانية، التي تتشكل عبر شفراتها المصائر الأخرى، في قوة سحرها، وفي صراعاتها مع القوى الخارقة.وأحسب أن تمثل الكاتب لقراءة ثنائية الكائن و(الألوهة) ستكون هي الباعث الأساسي للتعرّف على الكثير من النظم المجاورة، بما فيها ما ورد في الديانات (الصابئية، المندائية والعبرانية) لاسيما ما يتعلق منها بعلاقة الإنسان بالطبيعة ورموزها في الشجر والحيوانات والماء والأرواح الشريرة، وبما يجعل من أسفار كلكامش وصراعاته وأنسويته بمثابة سيرة لفكرة الخلق ولصراع الإنسان بين نصفه الإلهي ونصفه الحيواني.الموجّه الفاعل لهذه المعرفة ينطلق من جوهر القيمة الثقافية لمديات قراءة الأساطير بوصفها جزءا من السيرورة الإنسانية، وان ما فيها من الأسفار والملاحم والنصوص الدينية هو ما يعكس جوهر التحول الذي حدث في النظامين الديني والثقافي، وان جوهر اشتغال المعموري يتمثل في هذا السياق عبر اجتهاده في منهجة فعل القراءة، وفي معرفة العلاقة الثقافية التأويلية ما بين الأسطورة والنص الديني، وكذلك ما بين الملحمة والسيرورة الحاكمة للخلق.مثيولوجيات سحرية استنطاق هذه الثنائيات يضع الباحث المعموري أمام صياغة(شبه تاريخية) للمتخيل السردي، عبر معرفة القصص الديني التوراتي، وعبر قراءة ما ورد في الألواح عن الأديان العراقية القديمة، فضلا عن معرفة كل الحمولات الرمزية التي تلازم عادة الطقوس والعادات والشعائر، مقاربة النصوص القديمة المقدسة والأسطورية تنطلق من الرغبة في تلك المعرفة التي تخص تحولات الوجود والكائن، ومن خلال ما هو مبثوث فيها، فضلا عن انفتاحه على قراءة كل ما هو متعلق بمدونات المثيولوجيات السحرية الكبرى وطقوسها، وحتى بالحضارات (المدينية) التي احتضنت المستوى الطقوسي لتلك الأساطير، التي عبرت عنها من خلال منظومات العبادات وشعائرها.وإذا كان المعموري لم يسند اشتغالاته على ما هو مسند للمستوى الحفري/ الاركيولوجي، فإن اشتغاله الثقافي يحمل معه إفادته في الكشف عن الكثير من المستويات العلاماتية التي تحتشد بها الألواح/ النصوص لملحمة كلكامش مثلا، من خلال ترجمتها عبر باحثين اختصاصيين وحفريين قرأوا الرموز اللغوية مثل كريمر، وكذلك طه باقر وبهنام ابو الصوف، ونائل حنون، وسامي سعيد الأحمد وفوزي رشيد وآخرين.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *