عدنان حسين
أوقفت السيدة، التي أعرفها حقّ المعرفة، سيارة التاكسي.. حدّدت للسائق وجهتها.. فتحت الباب وأخذت مكانها في المقعد الخلفي بعدما اتفقا على مبلغ الأجرة… قبل الوصول الى الوجهة المقصودة أبلغت السيدة السائق بأنه غير مضطر للذهاب إلى نقطة التفتيش الوحيدة ودخول الحي، إذ يمكنه أن يُنزلها قبل ذلك لتمشي هي قليلاً الى وجهتها.
كانت السيدة تريد أن توفّر على نفسها والسائق الوقت اللازم للوصول الى نقطة التفتيش الكائنة في الطرف البعيد للحي ثم اجتياز الأزقة المزدحمة بالسيارات والاطفال والنفايات ومخلفات البناء، لكنّ السائق ردّ في الحال: لا تهتمين، أنا سأوصلك من طريق أقصر. كيف؟ سألت السيدة. قال السائق وهو يُخرج من جيبه بطاقة ويعرضها أمام ناظريها: أستطيع أن أزيح الحاجز الحجري الذي يقطع الشارع المؤدي الى وجهتك وأدخل منه ولا أحد يمكنه أن يعترض.. أنا من السرايا الفلانية!
نعم لأنه من إحدى الميليشيات في وسعه أن يفعل ما يشاء من دون اعتراض من أحد ومن دون خوف من ملاحقة ومساءلة، كما حدث، على سبيل المثال، مساء الاربعاء الماضي عندما اقتحمت مجموعة من خمسين مسلّحاً المقر المركزي لاتحاد الأدباء في بغداد وعاثت فيه فساداً بعدما قطعت الشارع العام الواقع عليه وجردت الوحدة الأمنية المكلفة بحراسة المقر من أسلحتها وأساءت معاملتها ومعاملة عمال المقر.. ثم، كما حدث في مئات المرات السابقة، ولّت الأدبار بسلام من دون خوف ومن دون اعتراض ولا ملاحقة ولا مساءلة!
أفترض أن حادث الاربعاء الماضي كان حاضراً في الاجتماع الذي عقده أمس القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، مع القيادات الأمنية والعسكرية في قاطع عمليات بغداد، وأفترض ان هذه القيادات كانت أمينة مع قائدها في مصارحته بان القوات الأمنية والعسكرية في العاصمة تعاني بمرارة، كما الناس العاديون والمنظمات، من سوء سلوك عناصر الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة التي ترتدي ألبسة الميليشيات وتستخدم سياراتها أو ما يشبه سياراتها.. أفترض أيضاً أنه بعد الاستماع من القيادات الأمنية والعسكرية الى ما يعكس معاناة أجهزتهم وعناصرها، شدّد القائد العام في اجتماع أمس على وجوب “الضرب بيد من حديد كلّ من تسول له نفسه العبث بأمن العاصمة بغداد وأرواح المواطنين”، ومؤكداً على أنه “لا يوجد في البلد من هو أعلى من القانون”، فهذه إشارة واضحة الى المجموعات المسلحة التي تصرّ على أخذ القانون بأيديها من ميليشيات وعصابات إجرامية.
التصرفات الخارجة عن القانون وعليه لهذه الميليشيات والعصابات هي الوجه الآخر للإرهاب وجرائمه.. ومكافحة هذه التصرفات ووقفها لا يقلّان أهمية وجدوى للأمن الوطني والسلم الأهلي عن السعي لقطع دابر الارهاب.