عدنان حسين
صباح أمس ربما كان هو الصباح العراقي الأجمل منذ يوم إسقاط نظام صدام المتوحش.. هو صباح حمل الينا البشرى بأن نظام الحكم الذي أقامه السياسيون الفاسدون وأعادوا بموجبه حياة العراقيين إلى ما كانت عليه في عهد صدام، وربما أكثر سوءاً، قد بلغ منتهاه من التعفن وبدأ يتحلل واستحق الدفن في الحال، وهذا هو المطلوب.
ما كان رئيس الحكومة حيدر العبادي قادراً على اتخاذ القرارات الجريئة التي أعلنها أمس لو لم يشعر بأن ظهره يستند الى جدار متين شيّدته له المظاهرات التي انطلقت منذ الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، وبالطبع سيكون ظهر العبادي أكثر قوة وثباتاً إذا ما أشرك طائفة واسعة من ممثلي القوى الوطنية ومن الكفاءات النزيهة في التخطيط لقراراته وتنفيذها، فمافيات الفساد المبثوثة في كل أركان الدولة وزواياها ومفاصلها يمكن لها ان تُجهض عملية الإصلاح بألف طريقة وطريقة.
الصباح العراقي الجميل المشرقة شمسه أمس، تأخر أمداً طويلاً، فهو كان يتعيّن أن يكون، وكان يمكن أن يكون، منذ أربع سنوات ونصف السنة، وبالتحديد في يوم يلي يوم 25 شباط 2011 الذي اندلعت فيه مظاهرات مماثلة اختار رئيس الحكومة السابق نوري المالكي أن يواجهها بقمع سافر ووحشية ضارية. ولو تصرّف المالكي يومها بمثل ما تصرّف به العبادي أمس لتوفّرت للعراقيين الآن الكهرباء وسائر الخدمات العامة المفتقدة وعشرات مليارات الدولارات المنهوبة، والأهم أن الكارثة الوطنية التي حلّت في آخر عهد المالكي ما كانت ستحدث.. أعني اجتياح داعش بكل العواقب الوخيمة التي ترتّبت عليه.
نعم منذ أربع سنوات ونصف السنة كان يتعيّن، بل كان يمكن، إصلاح العملية السياسية لتفادي حدوث كل ما وقع خلال هذه المدة الطويلة. وكما أعطى السيد العبادي صباح أمس الضوء الأخضر للبدء بعملية الإصلاحات وفتح ملفات الفساد التي أبقيت في أدراج الحكومة السابقة، يتوجّب أن يشمل ذلك رئيس الحكومة السابق نفسه، ليس فقط بشأن مزاعم فساد منسوبة إليه والى عدد ممن كانوا حوله، وإنما أيضاً بشأن قضية استخدام القوة المفرطة ضد متظاهري 2011 والسنوات التالية، فتلك العملية أجهضت إمكانية إصلاح النظام السياسي وعطلتها أكثر من أربع سنوات. قمع المظاهرات وتعويق عملية الاصلاح جريمة كبرى لابدّ من المساءلة والمحاسبة بشأنها. ويتعيّن أن تشمل هذه الإجراءات أيضاً كل المسؤولين المدنيين والعسكريين الذين عاونوا رئيس الحكومة السابق في قمع الحركة الإصلاحية تلك وفي اغتيال حلم العراقيين في أن يكونوا أعزة وأحراراً في دولة ناجحة محترمة مستقرة وآمنة.
هذه الإجراءات ليست مطلوبة للانتقام وإنما لوضع الأمور في نصابها ولأخذ الدرس والعبرة في المستقبل، ولتحذير مناهضي عملية الإصلاح وأعداءها من أن “يلعبوا بذيلهم”، كما يقول مثلنا الشعبي الدارج.