عبد الزهرة زكي
مسؤولية الدولة، ممثلة بسلطاتها ذات الاختصاص، أن تحتفي بالابداع الوطني وأن تكرّم كبار مبدعيها، هذا من مبادئ الدولة الحديثة التي لا تقبل جدلاً ولا تحتاج إلى ضغط يمارس بوجه سلطات البلد لإقراره والعمل به.الضغط الذي يجب أن يمارس، إن كانت هناك حاجة فعليه له، هو من أجل أن تكون الدولة عادلة ودقيقة في ترجمة احتفائها وتكريمها المبدعين وفي تقرير السبل الكفيلة باختيار هؤلاء المبدعين.يُمارَس الضغط من أجل أن لا تكون الاحتفاءات والتكريمات وسائل للضغط من أجل تقييد حريات الابداع ومن أجل توجيهه لصالح أهداف محددة.لا قيمة لأية حفاوة أو جائزة، ولا متعة لها حين يجري حجبها عن مبدع كبير لمجرد التعارض مع قيمه الفكرية وخياراته في الابداع.مثل هذه الحفاوة والجائزة المقيدة باشتراطات فكرية وايديولوجية وسواها ستكون مهينة لمن يتمتع بها، وبهذا فإن من مسؤوليات المثقفين في دول الحريات والعدالة الحفاظ على حق زملائهم في الحرية وفي الاختلاف والمعارضة والاحتجاج، حتى وإن اختلفوا معهم.في كثير من الدول تكون الجوائز شكلاً محترماً من أشكال دعم النتاج الثقافي سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي.القيمة الفعلية لهذا النتاج لا يقررها مدى تداوله ولا مقدار الحاجة الجماهيرية إليه. هذا هو الحال مع الفنون والنتاج الفكري الرفيع دائماً وليس في هذا العصر فقط وفي مختلف الثقافات. ثمة حاجة لتنمية الرأسمال الرمزي هذا الذي تعبّر من خلاله الأمم عن غناها الروحي والعقلي، وليس بالضرورة أن تتفهم الجماهير دائماً هذه القيمة الاعتبارية والرمزية.لذلك فإن نظام الأعطيات لم يعد مناسباً لهذا العصر ولتطور مفاهيم الحرية واحترام كرامة المفكرين، وذلك لما ينطوي عليه من طبيعة مشروطة في أغلب حالاته، وهي طبيعة تحكمت أحيانا كثيرة بالأدب والفنون أسوأ تحكم، كما هي نظام يتحكم به المزاج والعلاقات من قبل المانحين من جانب والتابعية والقدرة على قبول الاذلال من الممنوحين من الجانب الآخر.أشكال الدعم المعاصر في الدول المتطورة كثيرة، ومنها نظام الجوائز التي تنبري لها مؤسسات دولة، كمسؤولية وواجب، ومنظمات وجمعيات وجهات مستقلة كثيرة.ليس في الدول الشمولية حصراً يساء استخدام الجوائز لتكون وسيلة تقييد، ففي كثير من المجتمعات الأوفر حرية لا تعدم أن تصادف مَن يستخدم الجوائز والامتيازات المماثلة استخداما اشتراطيا وإن بصيغ غير مباشرة. بينما حصانات المثقفين واعتزازهم بحرياتهم وبكرامة مسؤولياتهم يضيق على السلطات فرص استخدامها السوقي للجوائز والمنح.