أمراض ثقافية

أمراض ثقافية
آخر تحديث:

عالية طالب
ترتبط الأمراض الثقافية بعوامل مغذية تعمل على مبدأ الاستمرار في الحالة وإدامة مفاصلها مما يجعلها قابلة  للتعميم والانتشار والإضافة السلبية، وكثير من هذه الأمراض يشترك الفرد والمؤسسة الثقافية في إيجادها وإدامتها  بطرق مختلفة تؤكد خصوصيتها العربية واختلافها عن البيئة الغربية، ففي حين تعمل الثانية على الاستعانة بالنخب الثقافية لما يمتلكونه من قدرة تحليلية واضحة المعالم للمستقبل ودور الفرد فيه  عبر قياسات منهجية وفكرية للحاضر ومتغيراته، نجد في المقابل تغييبا واضحا لدور المثقف  في مستوى صنع القرار والجدل الموضوعي الذي يستقرئ الوضع ويخرج بحصيلة فعلية للتغيير، ولا نجد حضورهم واضحا الا كديكور زخرفي  تتم الاستعانة به في النشاطات الدورية وكأنهم صور متحركة  تحمل صفة مثقف من دون أن تعمل على تخليص المجتمع من الأمراض الثقافية المتفشية بقوة .أمراض لا تنتهي  تأخذ أشكالا متعددة بعضها يعمد إلى عدم التحديد في التعميم على ضوء حالة أو أزمة أو واقع فنرى خلط الأوراق مستشريا بطريقة تجعل من كلمة أمراض حالة داخلة في مرحلة الموت السريري الذي قد لا يشفى منه المجتمع بسهولة إلا بتداخل جراحي قد يستأصل شأفة الكثير من الوجود الإنساني المتكامل. أمراضنا الثقافية بعضها جاء عبر مفاهيم خاطئة مكتسبة مما يخشاه المجتمع من المثقف بوصفه إنسانا يعمل على إحداث هزة فكرية وسلوكية واجتماعية في البيئة التي يتواجد فيها مما قد يؤثر سلبا في مراكز استفحلت بوجودها اللامجدي حياتيا، والذي لم يقدم ما يمكن أن يحقق الكثير مما ينتظره الغد منه. وهناك أمراض  ثقافية تم استحداثها لتتلاءم مع واقع بات في تفاصيله الكثير من الغرائب والمرفوض في السلوك والمنهج والتطبيق، حتى ضاعت لفظة المكتسب والمستحدث وتداخلت  ليصبح من الصعب إحداث عملية فصل حقيقية بينهما بسهولة. يظهر دور المثقف جليا في الأزمات والمتغيرات التي تطرأ على واقع المجتمع، وفي المقابل يظهر دور من يعمل على تفتيت دور المثقف أو التقليل من أهميته ويعمل على إلصاق التهم والتوصيفات السلبية الجاهزة والمستحدثة ليجعل ذلك الدور يتراجع أو يسقط على الأقل في الشرك لتنهال عليه  السهام الجارحة من كل صوب.وإن كان الوقت العصيب الذي نمر به الآن يطرح مقاربات ومشاهدات ومقارنات عديدة ما بين أهمية دور المثقف والأمراض الثقافية المجتمعية التي تحاول التضييق عليه، فإن الإصغاء  لصوت التحليل المبني على الموضوعية سيعيد التوازن لعديد من الاضطرابات الحاصلة في العقل الجمعي لمجتمع بات لا يفصل بسهولة ما بين الزيف والحقيقة بفعل التداخلات التي أسهمت في ضياع البوصلة الفكرية التحليلية القادرة على  وضع الأمور في مكانها الثابت.صوت المثقف لا يمكن أن يخفت بسهولة وهو يلهث وراء  التغيير الإيجابي الذي ينير طرق الظلام التي عملت على سحب المرء إلى مهاوي الفساد المبرمج ببراعة فعل الشر الذي لا يمكن له أن يستمر إلى الأبد يوما، وحين يحضر هذا الدور الريادي بقوة مجددا فإن أغلب محاولات التهميش أو التشكيك أو الاستغفال لن تنفع طويلا في تغليف الحقيقة أبدا، وهي تؤكد أن الأمراض الثقافية ستخضع للجراحة بعد أن أثبتت الجرعات السابقة فشلها في التخلص من الحالة بسهولة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *