فلاح المشعل
تنتصب مأثرة الإمام الحسين بن علي بشموخ لايضاهى على مسرح التاريخ ، متجاوزة نطاقها الرسالي الإسلامي الى فضاءات الحرية وقيم الإنسانية الشاخصة في ذرى الكرامة وروح الثورة ، للخلاص من الظلم والعبودية واستبداد السلطة وعجرفتها .
حين كنت صغيراَ ، كنت اعتقد ان الحسين صديقاَ لذلك الرجل “الريزخون” الذي يبكي ابناء “محلة السيف” في الناصرية كل عاشوراء في مجلس العزاء ومهرجانه المغطى بالأضوية المعلقة والقماش الأسود ، كان الرجل بعمامته السوداء ووجهه الأبيض وروحه البكائية وهو ينعي الحسين ، ينطوي على مسحات كأنه مصاب بفاجعة فقدان قريب أو صديق ، وما كنا ندرك شيئا سوى الإستجابة الدامعة لكلمات وجمل ونشيج الباكين ، رجال كبار لم نراهم يبكون سوى في مأتم “الحسين”…!
كان موعدا سنويا تذرف فيه العيون خلال عشرة ايام ماتجمع من دموع في عام كامل ، وهل كانوا يبكون للحسين أم رثاء ً لأنفسهم أيضا ً..؟
كبرنا وعرفنا ان الحسين ليس فكرة للبكاء والنحيب ولطم الصدور ، إنما هي قضية تحريرالإنسان من الخوف ،{ان لم تكونوا اتقياء في دينكم ، فكونوا أحرارا في دنياكم ..}، الحسين مفهوم شامل للكرامة وتحقيق ماهو مشرّع في قوانين الإله ، بل هو التجسيد العملي لمفهوم الزعيم الثوري الطامح لتغيير نظام الإستبداد بآخر يؤمن بالعدالة والجمال وسلطة الحق ، معاني اخلاقية واخرى رسالية اسلامية ، وثالثة تذهب لصياغة معنى الحرية في الذات الإنسانية …الخ
عرفنا ايضا ان المتسلطين يتوسلون الدين ويسخرون قضية “الحسين ” في مواكب ومراسيم لاتقدم للناس شيئا من تلك المبادئ التي افداها الإمام بروحه واصحابه واهل بيته ،
لايبرزون من قضية “الحسين” سوى الجوانب التي تؤكد سلطتهم ، وتعمق التخلف والجهل لدى الجمهور الشعبي في مفهوم” الحسين ” وتكرسه كمفهوم ديني غريب يقوم على ممارسات ” مازوشية” تستعرض على نحو دموي ، وسلوكيات تستحضر في غرائبيتها أعمق زوايا الخرافة والأوهام ، تآمر مذموم لسلوك تسلطي يقاطع مفهوم اطهر ثورة واعظم شهيد في تاريخ الإسلام بعد الرسول والخلفاء الأربعة .
المتسلطون أحالوا دلالات الثورة الحسينية الى ولائم استعراضية للطعام المهدور ومجالس بكاء ، في نفاق مكشوف للدجل السياسي وخداع الجمهور البسيط ، واسدلوا الستار على الجوانب الثورية ، وقضايا التحرر والكبرياء والتغيير، والعدل والعدالة والتصدي والشجاعة والجهاد في سبيل الحق وفي سبيل كرامة الإنسان ونصرة المظلوم …الخ
الممارسات الضارة والدموية مثل شج الرؤوس بالسيوف والسكاكين وضرب الظهور بالسلاسل (الزنجيل) المقترنة قسراَ بذكرى “الحسين” ، والمنقولة عبر الفضائيات ، تعد فارقة حضارية وانسانية تخلخل كثيرا من تلك المعاني التي شرعتها ثورة سيد الشهداء ، خصوصا للجمهور الذي لم يطلع على بنود تلك الثورة وتفاصيلها التراجيدية وآثارها في التاريخ ، وجلً ما اخشاه ان يصار الى الربط بين تلك المراسيم ” الدخيلة ” التي تبثها الفضائيات ، وما علق في ذهن الجمهور عن مجازر ” داعش ” ..!؟
الآن ينبغي ان ندافع عن الحسين وقضية الحسين والشرف الذي منحه الحسين للتاريخ ، وذلك في استكناه مبادئه العظيمة وروح الثورة ضد الإستبداد ، وتحرير مفهوم الحرية من تأثيرات الزوائد الدينية الطائفية “الخرافية” ، لأن الحسين ليس صديقاً لرجل الدين الذي يبكي الناس في كل عاشوراء ، انما هو صديق لكل الأحرار ، وقائد رمزي لكل الثوار في العالم .
السلام على الحسين في ذكرى خلوده .