شناشيل : أحمد الجلبي

شناشيل : أحمد الجلبي
آخر تحديث:

 

 عدنان حسين

لم أعمل مع الراحل أحمد الجلبي ولا تحت إمرته ولم أعمل له أيضاً، لكنني مذ تعرّفت إليه لأول مرة في دمشق إثر غزو صدام حسين الكويت في العام 1990، صرتُ على تماسّ بنشاطه السياسي، بحكم نشاطي في حركة المعارضة لنظام صدام الذي سيصبح الجلبي لاحقاً أحد قادتها البارزين، بل الأبرز، وكذلك بحكم عملي الصحفي.

الجلبي لا يشبه غيره بالتأكيد، وهو من النوع الذي لا تجود الحياة بمثله إلا قليلاً جداً .. هو متميز للغاية بذكائه، ومتميز بتواضعه وانبساطه، ومتميز بأدبه الجمّ وبتهذيبه وبحيويته .. روحه كانت تقدمية وعقليته مدنية، وهو من دون شك عراقي صميم ووطني، برغم أنه اضطر إلى مغادرة البلاد في وقت مبكر من عمره وإلى تمضية الحقبة الأكبر من حياته في المنفى.

كان يمكن للشاب الوسيم، سليل العائلة الثرية، الدارس في أرقى الجامعات والمحقق نتائج عالية المستوى أهّلته للتدريس في تلك الجامعات .. كان يمكن له أن يعيش حياة أخرى ليس فيها ما يكدّرها بالهمّ السياسي، بكل ما تنطوي عليه السياسة من عواقب غير محمودة في حالات كثيرة، لكنّ أحمد الجلبي ظلّ -في ما يبدو- على طموح كامل بلعب دور سياسي، حتى حانت له الفرصة المناسبة بارتكاب صدام حماقة كبرى جديدة هي غزو الكويت، فألقى بنفسه في الميدان ليسطع نجمه في الحال وليظل هذا النجم متوهجاً حتى انطفائه أمس.

بالنسبة للذين عملوا للخلاص من نظام صدام حسين كان أحمد الجلبي أنموذجاً للسياسي المقاتل بكل سلاح ووسيلة من أجل أهدافه .. وأهداف أحمد الجلبي تجاوزت كثيراً إسقاط ذلك النظام إلى بناء دولة مدنية بنظام ديمقراطي .. كان هذا حلمه اليومي وكان غايته غير المنقطعة.

يوم دخل أحمد الجلبي إلى البلاد إثر اندلاع حرب 2003 بدا كالناجح بالمركز الأول في امتحانات البكالوريا العامة أو كالحائز على الميدالية الذهبية في سباق المسافات الطويلة، بيد أن مضمار أحمد الجلبي انقطع فجأة قبل بلوغ خط النهاية، فقد مضت سلطات الاحتلال بالأمور في اتجاه مختلف عن ذلك الذي ركض الجلبي نحوه..

خسر أحمد الجلبي سباقه رغماً عنه، لكنه مع ذلك لم يفقد الأمل في أن يبلغه في يوم ما .. الموت وحده أطاح بهذا الحلم أمس .

كان أحمد الجلبي جديراً بأن تناط به مهمات أكبر مما أنيط به، وكان جديراً بأن يعهد إليه باقتصاد البلاد وإعمارها لتحقيق غايته في الدولة المدنية والنظام الديمقراطي .. لكن حصل أن وقفوا في طريقه ليحولوا دون تحقيق مرامه .. إنهم في الواقع وقفوا في طريق العراق المدني الديمقراطي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *