مختصون: مايجري في العراق لا يسمح بنشوء طفولة سليمة

مختصون: مايجري في العراق لا يسمح بنشوء طفولة سليمة
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- «داعش قضى على حياتي بقتل اولادي» هكذا بدأت ريتا سدير قصتها مع عصابات داعش الاجرامية التي دخلت الى الموصل قبل عامين، مضيفةً:  «كنا نعيش بسلام وسط مختلف المكونات الدينية التي تضمها الموصل حتى دخلوا وبدؤوا يحاربون كل من هو خارج الدين الاسلامي كما يدعون». وتابعت «لم اكن اعرف مايجري في الخارج فقد اعترضوا طريق ولدي مع صديقين لهما وهم في طريق عودتهم الى المنزل وعرفوا بأنهم مسيحيون وطالبوهم بنطق الكلمات التي تعني دخولهم الى الاسلام، لكنهم رفضوا ذلك واعلنوا تمسكهم بالمسيح وحبهم له، فقطعوا رؤوسهم امام الجميع بدون رحمة ولا شفقة».واسترسلت في كلامها والعبرات تقطع اوصال صوتها الحزين قائلة:« حرموني من اولادي وحتى الحزن عليهم، اضطررنا لان نترك منزلنا وتسللنا حتى تمكنا من الخروج من الموصل ووصلنا الى بغداد محطمي الافئدة مستصحبين ابنتنا الوحيدة بلا امل، هذه الحادثة ارعبت الاطفال في الموصل وغيرها الكثير، وتضيف سدير، لم يكتف المجرمون بما فعلوه بالمسيحيين والايزيديين، لكن افعالهم الدنيئة كانت حتى بحق المسلمين، واصدار التعليمات التعسفية بحق الاطفال والنساء، وكل من يخالف اوامرهم يعرض نفسه للذبح».اغمضت ريتا عينيها برهة واستذكرت اطفال جارتها في الموصل الذين يبكون عندما يسمعون طرقات الباب حتى لو اعلن الطارق مسبقا عن هويته، فقد اصابهم الرعب بعدما شاهدوا الدواعش يدفعون ابواب بيوت الناس العزل بكل همجية ووحشية. المتخصص بأمراض الطب النفسي الدكتور علي رشيد يقول:« من المؤكد ان الطفل حاله حال باقي افراد المجتمع يتأثر بمحيطه والمشاهد التي يراها تؤثر فيه سلباً، الامر الذي يعرضه لكثير من الامراض النفسية اهمها متلازمةptfd ، التي يعاني منها الاشخاص الذين يتعرضون للشدائد والمصائب والحوادث المرورية او العنف، موضحا ان من اعراضها كثرة النوم والعزلة والعنف والهروب من الواقع والسرحان الكثير، فضلا عن امكانية تعرضه لامراض جسمانية كثيرة».
 تستطرد والدموع لم تفارق عينيها الذابلتين حزنا على ولديها:وبسبب ما اصاب حياتهم، اصبح الاطفال يرتعشون خوفا من مناظر الدواعش  الذين اصبحوا معروفين من قبل الجميع، فلا يستطيعون الخروج واللعب، والفتيات عاكفات في المنازل خوفا».وبينت الباحثة الاجتماعية والتربوية الدكتورة ناز بدر خان السندي:« ان واقع الطفل العراقي فيه مأساة كبيرة فهناك دراسات كثيرة في قسم العلوم التربوية والنفسية بكلية التربية في جامعة بغداد معنية بدراسة الخوف لدى الاطفال وتأثير الارهاب بهم، خاصة ونحن الان نعلم مدى تأثير داعش  وخطورته على الاطفال»، موضحة:» ان جميع الدراسات التي اجريت  في العراق لمعرفة الدواخل النفسية لدى الطفل وجدت ان هناك نسبة عالية من الخوف والقلق ضد كل شيء فهو متخوف حتى من كلمات (الارهاب، داعش) وغيرها فوضعهم النفسي منهك ومتعب». واشارت السندي:
 «الى ان القلق المتكرر والحديث الذي يدور حولهم يجعلهم يعيشون في بيئة غير صحية، ما ادى الى التأثير بنفسية الطفل بشكل عام، هذه الاجواء تفرض على الطفل ان يبتعد عن عالمه ويعيش اكبر من عمره الحقيقي»، مؤكدة:» ان هذه الحياة من الممكن ان تؤثر في مستواه العلمي وتحصيله الدراسي، علما انه يفترض ان يعيش حياة بعيدة عن الخوف، مؤكدة ان شخصية الطفل اصبحت الان متخوفة اكثر»، مبينة اننا اجرينا اختبارات مختلفة بين الاطفال فوجدنا ان البعض متخوف حتى من الاصوات الهادئة في حين ان المعتاد ان الطفل يخاف فقط من الاصوات العالية لكن بسبب القلق والخوف الذي يعيشه وسط بيئته غير المناسبة اصبح كذلك». وتساءلت سدير:» ما مصير اطفالنا بعدما تعرضوا لكل هذا التعذيب النفسي، وكيف سيكون مستقبلهم ومستقبل عوائلهم اذا كان في اعمارهم بقية؟؟».
 ويضيف رشيد:» ان الارهاب الذي يتعرض له الطفل يؤثر في شخصيته عندما يكبر وفي نموه النفسي وهو ما نطلق عليه «حالات النكوص»، مبيناً ان الانسان عندما ينمو جسمانيا ينمو نفسيا وهذه جميعها تتم على مراحل، وكل مرحلة لها متطلباتها فغالبا ما تجره افكاره ونفسيته الى الماضي وهذه الذكريات سيكون لها تأثير من شخصيته وفي تكوينه النفسي».واستدركت سدير:» نشك في قدراتنا نحن كأمهات ان نسيطر على اطفالنا ونتمكن من اقناعهم بعدم الخوف وان القادم سيكون افضل، ونحن نعيش الخوف ويسيطر علينا اليأس، وهم قد خسروا منازلهم ومدارسهم والعاب الطفولة ويعيشون تحت وطأة الخوف الذي يسيطر على مشاعرهم وافكارهم».
 وتطرق الدكتور رشيد:» ان المشكلة في الاباء، اذ هم  كذلك ضحايا الارهاب وضغوطات الحياة والمتطلبات الكبيرة، لكن تقع على عاتقهم مسؤولية مراقبة تصرفات ابنائهم وفي حال صدور سلوكيات مختلفة عليهم اللجوء الى  طبيب نفسي  متخصص، فليس بالضرورة ان يكون العلاج بالعقاقير الطبية وانما يمكن الاكتفاء بطريقة التعامل وفقا لظروف كل عائلة ومحيطها». عضو مفوضية حقوق الانسان الدكتور فاضل الغراوي بين:« ان الطفولة احد اهداف الارهاب وهذا مانلمسه منذ دخول عصابات داعش، فالكثير من الاطفال تم تجنيدهم واتخاذهم دروعا بشرية، وقتل الكثير من الاطفال ودفنهم في مقابر جماعية، اذ مات اكثر من 800 الف طفل، و1500 اخرين نتيجة البرد والنزوح، فضلا عن ان الكثير منهم يعاني  نقصاً في احتياجاته الضرورية من طعام وحليب وملبس، وتفشي الكثير من الامراض والاوبئة بينهم».
 
وتبين سدير:» عند وصولنا الى بغداد استأجرنا دارا بسيطة للعيش فيها بسلام واكتفينا بالضروري من وسائل العيش، وقدم الجيران واقاربهم المساعدات لنا ولغيرنا، ففي المنطقة التي اخترناها سكنا لنا هناك عوائل اخرى من الانبار نزحت بعد ان هربت من بطش داعش وتعاني الامرين لعدم حصولها على فرصة عمل تعيل اطفالهم الذين اضطروا لترك دراستهم وهم يتباكون على مستقبلهم». وتأسفت السندي بقولها :»حتى  الان لم يطبق اي قانون يخص الطفل في العراق، مع اننا نسمع الكثير من منظمات المجتمع المدني التي تنادي بحقوق الاطفال تتحدث عن قوانين ستشرع لحماية حقوق الاطفال، مطالبة مجلس النواب باتخاذ قوانين لحماية حقوق الاطفال، لاسيما مع كثرة وجود المشردين والمتسربين من المدارس والمرضى، الكثير من المعنيين نادى باقامة برلمان خاص بالطفل، ولكن مازلنا نسمع الكلام بدون تطبيق على ارض الواقع». وتساءلت:» لماذا لم يطرق ابوابنا المسؤولون لتشريع قوانين خاصة بالطفل؟ ونحن أساتذة جامعيون ومعنيون في تخصصات التربية والنفسية وندرك علم النفس في مجال الطفولة ومدى تأثيره في حياته المستقبلية». نائب رئيس لجنة المرأة  والطفولة والاسرة انتصار الجبوري اكدت:« ان الطفل العراقي بحاجة الى قانون لحمايته، فان مايجري في العراق لا يسمح بنشوء طفولة سليمة، لاسيما بعد ما اضيفت الى واقعه السيئ افعال داعش الارهابية التي ارتكبت بحقه من ذبح وخطف وضمه الى صفوف الارهاب والمتاجرة بأعضائه البشرية، فضلا عن النزوح واثاره السلبية بهم مضيفة ان عمليات النزوح اثر جرائم داعش اودت بحياة اكثر من 1500 طفل نازح نتيجة البرد وغيرها من المشاكل التي يجب ان يعالجها قانون حقوق الطفل والذي لابد ان يدعمه الاعلام والمرجعيات الدينية وشيوخ العشائر، بالاضافة الى منظمات المجتمع المدني والحكومة والبرلمان والذي كان من المفترض ان يشرع  العام الماضي».
 
ويرى الغراوي: «ان حل مشاكل الطفولة في العراق لايتم الا بسن قانون خاص بهم، اذ بالفعل تم في عام 2007 تقديم مسودة قانون للطفل من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وتمت اعادته، وبعد تشكيل مفوضية حقوق الانسان قدمت مشروع قانون متكاملاً يتضمن 155 مادة تتكفل بجميع العناصر لحماية الطفل ومايتعلق بايقاف العنف الموجه ضد الطفولة وكيفية التعامل مع الاطفال في اوقات النزاعات المسلحة وباقي مشاكل الطفولة، فضلا عن تحديد العقوبات الجنائية التي من الممكن ان تضبط هذه الجرائم وتحاكم جميع الذين يحاولون انتهاك حقوق الطفل». واسترسل: «ان القانون تم دمجه مع مسودة قانون وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهو الان مشروع متكامل بانتظار التشريع،عاتبا على الطلبة والباحثين اهمالهم جانب الطفولة فحتى الان لا توجد رسائل ماجستير او ابحاث تسلط الضوء على واقع الطفولة المتردي في العراق، علما ان الاطفال هم الاهم في جميع المجتمعات فهم بذرة المستقبل وضمان نجاح اي بلد اذا ماتم تأهيلهم بصورة صحيحة».وتضيف سدير:» لاطفالنا حقوق كبيرة نفسية وصحية فالكثير منهم تعرض لامراض جسمانية، والكثير منهم قد مات بدون ذنب يقترفه، وليس هذا فقط بل هناك من فقد دراسته والكثير من بدأ يستجدي في الشوارع لاجل لقمة العيش بعدما هجروا من منازلهم على يد العصابات الاجرامية، حقوق اطفالنا التي اغتصبتها العصابات الاجرامية الا نستطيع ان نضمنها؟!».

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *