متى نكسرُ حاجز التسويق الدرامي ؟

متى نكسرُ حاجز التسويق الدرامي ؟
آخر تحديث:

رضا المحمداوي

لا نأتي بجديد إذا ما ذكرنا بأن الدراما العراقية كانت صنو تأسيس التلفزيون في العراق ، فمنذ تأسيس أقدم محطة تلفزيونية في الوطن العربي عام 1956 في بغداد ، كانت الدراما لها حصة الاسد في الانتاج والبث والعرض وذلك لما  لها من أهميةٍ في استقطاب الجمهور العراقي وهو يفتح عينيه على (صندوق الدنيا) الجديد الذي يراهُ أول مرة في حياته .. ومع تعاقب السنين وأجيال الفنانين والفنيين في تلفزيون (بغداد) ازدادتْ التجربة ثراءً وتنوعاً وَصَلب عود القائمين والمشرفين والمنتجين للدراما العراقية وخاصة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي (بعد تجاوز مرحلة التأسيس في عقد الستينيات ) وقد شهد العقد الثمانيني نمواً واتساعا ً في الدراما العراقية التي تركت بصماتها واضحةً ً على الانتاج الدرامي واستطاعت أن  تجد لها في محيطها الاقليمي وخاصة ً في دول الخليج العربي سوقاً واسعة ً ورائجة ً للنتاجات الدرامية العراقية ، واصبح الفنانون العراقيون نجوماً مرغوبين ومطلوبين ووصل الامر الى حد الانتاج الدرامي المشترك مع الشقيقة دولة الكويت بل ووجد المخرجون العراقيون موطئ قدم في إستويوهات دولة الكويت  وانتجوا أعمالهم الدرامية هناك ، وما زالت ذاكرة العراقيين والكويتيين تنبض بحياة تلك السنوات المضيئة من الانتاج الدرامي العراقي . إلاّ أن الغزو الصدامي البغيض لدولة الكويت وما تبعهُ من أحداث وتداعيات ، ومن ثم فرض الحصار الاقتصادي على العراق وحدوث القطيعة التامة بين العراق ومحيطه العربي بشكل عام ومحيطه الخليجي بشكل خاص الذي أقام حواجز ومصدات مصطنعة تحول دون التواصل الثقافي والفني بينه وبين العراق . وحتى بعد أن قامت دول مجلس التعاون الخليجي العربي إنشاء وتأسيس مهرجان الخليج العربي في ثمانينيات القرن الماضي حيث كان يقيم المهرجان دوراته كل عامين ، لم يجد العراق في ذلك المهرجان المكانة والمكان الذي يكون مرغوباً فيه داخل تلك المنظومة (التعاونية ) ، وبقي حضور العراق في المهرجان متذبذباً بين الغياب التام أو الحضور الباهت الذي لا بريق فيه . وبقي محور تسويق وتوزيع الاعمال الدرامية العراقية غائباً بشكل عام عن أولويات واهداف القيمين عن الدراما في ذلك الوقت رغم ان العلاقات الثنائية والاقليمية بين العراق ودول الخليج العربي كانت مشجعة تماماً للقيام بمهام الترويج والتسويق للاعمال الدرامية العراقية .وبعد سقوط النظام الصدامي وانتشار وتأسيس العشرات من القنوات الفضائية العراقية التي عُرِفتْ بانتاجها الغزير للدراما بانواعها المختلفة وخاصة ً قناة (العراقية) التي كانت سبّاقة ً في إنتاجها للدراما العراقية ، تضاف اليها ثلاث أو أربع قنوات فضائية عُرِفتْ بانتاجها للدراما بنسب متفاوتة، ولكن الحصيلة النهائية لانتاج هذه القنوات من الاعمال الدرامية أصبح في تزايد مستمر ، وأفرز نوعاً درامياً متميزاً من الاعمال الدرامية ، وقد اصبحتْ الاعمال الدرامية بغزارتها  وتنوعها وتزايدها ملمحاً من ملامح عمل القنوات الفضائية العراقية ، ورغم كل هذا التطور المضطرد والزيادة النوعية والعددية في انتاج الدراما العراقية، إلاّ انها بقيت في قيد التداول العراقي المحلي بل والداخلي المحدود والمحصور داخل بث القناة المنتجة للعمل الدرامي ، ولم يكسر حاجز المنع والرفض وعدم القبول من قبل الدول العربية التي ابقتْ حصارها الفني قائماً بوجه الدراما العراقية ؛ وعلى الرغم من ان العراق قد حقق حضوراً فنيا ً متميزاً وحصد العديد من الجوائز المتقدمة على صعيد الدراما التلفزيونية في مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون وكذلك مهرجان تونس الذي يقيمه اتحاد الاذاعات العربية ، إلا ان الدراما العراقية بقيت تراوح في مكانها دون ان تتقدم في سوق الدراما من حيث التوزيع او التسويق او حتى التبادل الثنائي . وفي إطار النظرة الواقعية والعملية لا بُدَّ من الاقرار ، هنا ، بأننا قد لا نطمح بايجاد موطئ قدم لتسويق اعمالنا في دول المغرب العربي كالجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا ، لاسباب عديدة ، وكذلك من المستحيل ان تبحث عن موزع للدراما العراقية في مصر وسوريا في الوقت الراهن وهي من الدول المصدرة للدراما وسبق لها ان سجلت حضورها الفاعل والمؤثر بل والمسيطر في سوق البيع والشراء للاعمال الدرامية. لكننا ، وبذات النظرة الواقعية ، ننظر الى جيراننا واشقائنا من دول مجلس التعاون الخليجي بعين الطموح والامل في تسويق أعمالنا الدرامية اليهم ، وهناك اكثر من سبب يقف وراء هذه النظرة التفاؤلية الطموح ، ولا يخفى ان مثل هذه الرغبة موجودة لدى بعض دول الخليج العربي لكن القرار السياسي الخليجي ما زال يحول دون التواصل مع النتاج الدرامي العراقي ويمنعه من الظهور والحضور على شاشات التلفزيون الخليجية . لكننا رغم كل هذا نطمح دائماً وسنبقى نعمل من أجل عبور حاجز الحصار والمنع وعدم القبول ومن ثم مد يد المصافحة والاخوّة لاشقائنا وجيراننا في مناخ ملؤه الثقة بالمستقبل وخاصة ً  في عالم الفن الملتزم الواسع الفسيح الذي سيبقى يتسّعُ للجميع دائماً مثلما أتسّعَ الفن للجميع على مر العصور.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *