آخر تحديث:
علي الابراهيمي
الانتخابات القادمة يعقد عليها كثيرون آمالاً جمة ، ربما هي مفتاح التغيير المنشود من قبل ملايين العراقيين المنكوبين بطائفة سياسية حمقاء ومتعجرفة ، لا سيما مع أفول نجم الحواضن الداعشية وصعود نجم الحشد الشعبي وقياداته الوطنية . وربما هي ليست كذلك ابدا ، ولن تكون سوى حدث آخر يستهلك المال والعقول .
ان هناك جملة من الأمور التي تحد من تفائلنا بنتائج اية انتخابات قادمة ، وتعود بنا الى واقع يستدعي قراءات منطقية تعمل على الإصلاح الحقيقي في العمق :
1 – ان جميع أفراد الشعب العراقي يعانون امراضاً نفسية واجتماعية ناشئة عن أربعين عاماً من القمع وسلسلة من الحروب ، تقوم الدول المتقدمة بإعادة تأهيل شاملة لافرادها في حالة حدوث حادثة واحدة شبيهة بها . لذا ليس من المتوقع وصول اشخاص متزنين نفسياً وفكرياً مهما كان شكل المتغيرات السياسية وليس من المحتمل ابداً وجود ناخبين مختلفين عن أولئك الأشخاص .
2 – التدخل المستمر للسفارة الأمريكية في مجريات السياسة العراقية الذي وصل الى حد التلاعب بنتائج الانتخابات عدة مرات من خلال حواسيب المفوضية العليا للانتخابات . كما ان هذه السفارة لا تفارق منهجها في عمليات الابتزاز وإعادة تدوير التحالفات والتأثير على الإعلام المؤدلج وغير المؤدلج .
3 – التأثير الإعلامي المدفوع الثمن ، من خلال خلط الأوراق وتثوير مكامن العاطفة لدى الجمهور . الامر الذي يحفظ لهذا الإعلام عوامل الاثراء والاثارة والثرثرة .
4 – غياب الوعيين السياسي والفكري عموماً بسبب انشغال الجمهور بآثار منهج ( الصدمة ) الاقتصادي الذي تمارسه الحكومة بالتعاون مع السفارة الأمريكية ، والذي يكمل عوامل التغييب التي أوجدتها حكومة البعث سابقا .
5 – اعتقاد القيادة الإيرانية انها ستنجح في جعل ( نوري المالكي ) قيادة كارزمية في العراق ، رغم انه كان السبب الواضح في انهيار المنظومات الفكرية والأمنية والاقتصادية للبلد . لكنّ هذا الموقف ليس خطيراً جداً بدليل انّ هذه الشخصية الفاشلة خسرت معركتها الأنانية لاقتضام السلطة بمجرد اتفاق القوى السياسية على خلافه .
4 – الخضوع التام للشعب الكردي للدكتاتورية المفرطة والعشائرية السياسية ، بمباركة أوروبية وأميركية جلية ورضى المحيط ببقاء الوضع على ما هو عليه .
5 – تيه الجمهور السني بعد انحسار مرجعيتيه الرئيسيتين البعثية والسلفية ، وصعوبة صعود او صمود الأصوات العقلانية والناضجة نسبياً مثل ( عبد الرحمن اللويزي ) لأسباب التكوين الاجتماعي والقبلي هناك . إذ ليس من الممكن ان نتوقع من مجموعات تؤمن بأنّ ( معاوية ) كان من الصحابة التخلي عن الايمان بسياسته او عن جذورها السلفية .
6 – اندماج اغلب القيادات الحشدية بالمشهد السياسي واختلاط مصالح بعضها بمصالح الطبقة السياسية النفعية ، والبعض الآخر كان وليداً لخطأ تاريخي وبالتالي لن ينتج الا اخطاءاً مشابهة ، فيما هناك قيادات كبيرة على رأس الحشد رغم نواياها الوطنية ربما الا انها من السذاجة والسطحية الفكرية بحيث جاءت بالمالكي الفاشل الى رأس السلطة . لذا ليس سوى العاطفة هي التي تجعلنا جميعاً ننتظر من قادة الحشد ذات الوطنية والإخلاص التي يتمتع بها أفراد هذه المنظومة العقائدية الشريفة .
7 – لغة التعميم وتوزيع صورة الفشل على الجميع دون تدقيق من قبل الجمهور ، الامر الذي لن يسمح بورقة اقتراع متزنة . وهي لغة أوجدتها كوادر التجهيل لأحزاب الدعوة والمجلس والتيار لأسباب انتمائية تتعلق بظاهرة سيطرتهم على مفاصل الإدارات الفاشلة في الجنوب والوسط .
8 – المنظومة الفكرية الهرمية للشيعة في العراق جعلت هذا الجمهور يعتمد كلياً على الإرادة المرجعية الدينية في توجيه خياراته ، ولانّ هذه القيادة اليوم بصورة عامة شبه مفقودة – في ظل تصدي شخصية غريبة في سكونها للمرجعية العليا – وضبابية الصورة بسبب غياب الخصم الطاغوتي الواضح ووجود خيارات اغلبها ذات عنوان ديني صار من شبه المستحيل اعتماد تشخيصات سليمة للناخب الشيعي .
9 – ولو افترضنا تغيير مجمل الوجوه السياسية الراهنة والمجيئ بوجوه جديدة فهي ستكون في الغالب وليدة المشهد العشائري ، الذي اتحفنا بنماذج عديدة تفتقر الى المعرفة وحسن الإدارة او المهنية . فرغم وجود نسبة محدودة من الكفوئين داخل المجالس المحلية او البرلمان الا انهم يقضون اغلب فترة تمثيلهم في اقناع الأغلبية الجاهلية داخل هذه المجالس .
10 – الضخ المالي الهائل للمنظومة الإرهابية الحكومية في الخليج لمجرد تخريب العملية الديمقراطية في العراق دفعاً لخطرها عن حدود اباعرهم الموروثة بالختم البريطاني . وهي الأموال التي تشغّل معظم القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية المعارضة للنظام السياسي غير الشمولي في العراق . ومن ثم سيكون لهذه الأدوات اثرها في تخريب رؤية الناخب العراقي .
11 – وجود منظومات مدنية وعسكرية على رأس الإدارات المختلفة للمؤسسات الحكومية العراقية وكذلك المؤسسات شبه الحكومية من مصارف وشركات ومنظمات او أهلية كالمقاولين لا يطيب لها تغيّر المشهد الفاسد الذي جاء بها او مكّنها من البقاء ، فتعمل جاهدة على بقائه كما هو من خلال التأثير المالي او السلطوي ، ومن خلال اسقاط الخيارات الأكثر اعتدالاً ونزاهة في نظرها عبر الطعن اللاأخلاقي وأساليب التشويه التي تجد دائماً من يستجيب لها بسبب حالة التذمر العامة .
12 – وجود منظومة من الحواشي الدينية وطلبة علوم دينية على الجهتين الشيعية والسنية تحاول الإبقاء على مصادر دخلها او أسباب توفّر هذه المصادر من حالة سياسية او دينية عامة غير صالحة للاستهلاك البشري .
13 – بروز حالة من الامتداد النفعي للوجوه السياسية الموجودة مع وجوه قبلية او اجتماعية من خلال التعهد بمجموعة من الخدمات الصادقة او الكاذبة لكنها أنانية فردية بالتأكيد . مما يجعل هذه الوجوه المجتمعية تحرص على عودة من وعدها .
ومن هذه النقاط جميعها ندرك صعوبة ان تلد العملية الانتخابية المرتقبة طفلاً غير مشوه ، كما انها تبرز حقيقة الضحالة التي عليها فكرة ترشيق او إعادة ترتيب مجالس المحافظات او حتى البرلمان ، فليست المشاكل متولدة عن حجم هذه المجالس بل هي ناشئة عن المضمون الفارغ او السيء للغالبية من أعضائها ، كما ان الحلول التي تطرحها الحكومة ما هي الا علاجات متأخرة لمشاكل صنعتها سياستها الفاشلة والتي هي مقدمة لمشاكل أخرى تصنعها هذه الحلول ذاتها .
في الكونغو كان هناك وسيط اجنبي يشتري شركة تعدين محلية بثمن زهيد فيبيعها لشركة دولية بربح يساوي 800 % ، والسبب ان شعب الكونغو استسلم كلياً لقادة السياسة في تلك البلاد وشعر انه لا يستطيع التأثير في القرار . هذا ما أُرِيد له التطبيق في العراق لكنه لازال يواجه صعوبة بسبب حركية المجتمع ، مع سيره الحثيث نحو التطبيق من خلال سياسة ( الصدمة ) .