بغداد/شبكة أخبار العراق- أزمة تلو أخرى تثيرها الكتل السياسية الكردية بين فترة وأخرى، هذا الخلاف الذي “أشتد” أبان الحكومة السابقة ووصل في مرحلة من المراحل إلى “التحشيد العسكري” كانت أسبابه مفهومة نوعاً ما في حينها، كون “الندية” بلغت ذروتها بين رئيس الحكومة السابق نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، لكن من المستغرب أن يستمر هذا التصعيد مع الحكومة الحالية!.لم يتوقف التصعيد الإعلامي والتصريحات بانفصال إقليم كردستان عن العراق، ومطالبة بغداد بصرف رواتب موظفي الإقليم بالرغم من أن حكومة بارزاني “تستولي” على جميع إيرادات نفط الإقليم وكركوك، وكذلك تطبيق المادة من 140 من الدستور، وجميع هذه المطالب “غير المشروع” اتفقت عليها الأطراف الكردية بأجمعها رغم اختلافاتها الداخلية.
لكن السنة الحالية جاءت “حبلى” بالكثير من الأزمات التي “يفتعلها” الكرد من دون مسوغات، كما أنها شهدت أيضاً عدم “إجماع” كردي على بعض الأزمات التي “افتعلها ويفتعلها” رئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود بارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني، أو حزب جلال طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني.عقب أزمة سنجار بيوم واحد، قامت قوة من البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، قادمة من محافظة السليمانية، باقتحام شركة نفط الشمال في محافظة كركوك والسيطرة عليها وإيقاف تصدير النفط، وكانت هذه محاولة من حزب طالباني للرد على “استحواذ” بارزاني على إيرادات نفط كركوك والإقليم، وكذلك على خلفية ما جرى في سنجار، خاصة وأن العمال الكردستاني مقرب من حزب طالباني.
وما قام به حزب طالباني لاقى أيضاً رفضاً من الأطراف الكردية الأخرى وخلق أزمة داخلية كردية وأزمة أخرى مع بغداد.وفي أواخر شهر آذار الماضي أصدر محافظ كركوك نجم الدين كريم، القيادي في حزب طالباني، قراراً يقضي برفع علم إقليم كردستان فوق المباني والمؤسسات الحكومية في كركوك، وهو ما اعتبرته أطراف عدة مخالفاً للدستور، ودفع بأعضاء مجلس المحافظة من العرب والتركمان إلى مقاطعة جلسات المجلس.وما زالت قضية العلم الكردي ساخنة حتى الساعة، ليعقبها أعضاء مجلس المحافظة الكرد بالتصويت على قرار بشأن إجراء استفتاء في كركوك من أجل “ضمها” إلى إقليم كردستان، في محاولة للتصعيد بشكل أكبر مع بغداد.
وبعد وصول الوفد الكردي الى بغداد يوم 4/4/2017 والذي يضم قياديين في المكتبين السياسيين لحزبي بارزاني وطالباني، وفي جعبة الوفد ملفات عدة أبرزها، الانفصال عن العراق، رفع التأكيد على عدم إنزال علم كردستان في كركوك، نفط كركوك والإقليم.غير أن هذا الوفد على ما يبدو لا يحظى بتأييد كل الأطراف الكردية، فقد رفضت حركة التغيير الاجتماع مع الوفد المشترك من الحزبين الديمقراطي والوطني الكردستانيين للبحث في مسألة الاستفتاء على حق تقرير المصير في إقليم كردستان.وقالت الحركة في بيان صحفي، “لا حاجة الى اجتماعات حزبية فيما يخص الاستفتاء”، داعية الى ان يتولى برلمان كردستان اقرار الاجراءات الخاصة بعملية الاستفتاء في محافظات اقليم كردستان وكركوك وبقية المناطق الكردستانية الخارجة عن ادارة الاقليم.اشارت الى انه يجب عدم استخدام هذه الخطوة “الاستفتاء للتنصل من معالجة مشاكل مواطني كردستان، وللمزايدات السياسية”، مضيفة “مع ظهور نتائج الاستفتاء يجب اتخاذ خطوات عملية لإعلان استقلال كردستان وتثبيت قوائم دولة المواطنة وسيادة القانون والمؤسسات الوطنية”.
عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني عدنان المفتي، أحد أعضاء الوفد الكردي قال:”لا أعتقد أن علم كردستان سينزل بأي شكل من الأشكال، وأي قرار من هذا القبيل يجب أن يصدر عن مجلس محافظة كركوك، وهو وحده من يستطيع القيام بذلك”.ورداً على سؤال صحفي، حول ما إذا كانت الحوارات ستقلل من قلق الحكومة الاتحادية، قال “ليس هم فقط، نحن أيضاً قلقون، لذا يجب أن نجلس للرد على أسئلتهم، وفي المقابل نحن لدينا أسئلة ايضاً وننتظر ردهم، ويجب أخذ المصالح المشتركة بنظر الاعتبار، وبالنسبة لنا فإن المصالح العليا لشعب كردستان تأتي في مقدمة الأولويات”.وعلى خلفية ذلك، كشف النائب التركماني نيازي معماري أوغلو، أن “نواب المكون التركماني في مجلس النواب جمعوا تواقيع لأكثر من 200 نائب من مختلف القوى السياسية لإقالة محافظ كركوك وحل مجلس محافظتها، وسيتم إرفاق التواقيع مع طلب يقدم الى رئاسة البرلمان الاسبوع المقبل مع بدء الجلسات”.
وأكد “سنتوجه الى المحكمة الاتحادية للطعن بقرارات مجلس محافظة كركوك غير الدستورية والمخالفة للقانون”، مضيفا “كما سنطالب ضمن القرار مجلس الوزراء بالتصرف السريع والواضح مع تجاوزات محافظ كركوك والعمل على اقالته اضافة الى حل مجلس المحافظة”.بدورها، هددت النائبة التركمانية نهلة الهبابي، بأن “إقالة أعضاء مجلس محافظة كركوك من المكونين العربي والتركماني ليس من صلاحية أعضاء المجلس الكرد، كون المقاطعة سياسية وتجري بنفس الشكل في مجلس النواب حين قاطعت بعض الكتل احتجاجا على قرارات او مواقف معينة”.وحذرت من أن “العملية السياسية في البلد ينبغي ان لا تصل الى هكذا مستويات من تسقيط علني قد تتحول الى صراع مكونات تحرق الاخضر باليابس”.
وهددت “في حال تجرأ الأعضاء الكرد في مجلس كركوك على ان يخطوا هكذا خطوة فسيحصل ربما نفس الشيء، أي التعامل بالمثل داخل مجلس النواب، وسيعمل النواب العرب من الشيعة والسنة على سحب الثقة وإقالة النواب الكرد”.وأوضحت الهبابي أن “الخلافات السياسية شيء واحترام باقي المكونات الاصيلة في البلد شيء آخر”، داعية أعضاء مجلس كركوك الكرد الى “اللجوء للمنطق والعقل وانهاء حالة الاستفزاز والتصعيد التي بدأوا بممارستها لأننا نعتقد ان استمرارهم بها ستجعلهم هم الخاسر الأكبر فيها بالنهاية”.وتابعت “في حال استمرار مجلس كركوك بهذا الاسلوب، لاسيما استمرار تصدير النفط دون علم الحكومة الاتحادية فستضطر الحكومة الاتحادية للتعامل معهم بنفس العقوبات التي مارستها على اقليم كردستان من خلال قطع الرواتب”، لافتة الى أن “هناك ايادي خفية تعمل على تحريك هذه الازمة، والا ما هو المبرر لهذا التصعيد من الكرد في هذا الوقت تحديدا مع قرب حسم المعركة بالنصر على تنظيم داعش”.
وكان أعضاء من مجلس محافظة كركوك من المكون الكردي، هددوا بالتصويت على اقالة اعضاء المجلس من العرب والتركمان في حال استمرار مقاطعتهم لجلسات المجلس.من جانبه، حذر رئيس كتلة الرافدين النيابية يونادم كنا، من “حتمية التدخل الخارجي” لحسم قضية محافظة كركوك، إذا لم يحصل توافق بين بغداد وأربيل بهذا الشأن، منبهاً المسؤولين الكرد إلى أن كركوك “خط أحمر”.وقال ان “اجراء اي استفتاء في كركوك لن يكون قانونيا وباطلا دون حصول توافق داخلي، وبرقابة دولية واممية على نزاهة الاستفتاء وشفافيته، وبموافقة من الحكومة الاتحادية”.
وأضاف “هناك قرارات متقابلة رفضت من حكومة كركوك المحلية والبرلمان الاتحادي، بالتالي فإن كل طرف عليه اللجوء للمحكمة الاتحادية للنظر في شرعية مطلبه، ولوضع النقاط على الحروف، بدل اللجوء للمناوشات والتصعيد واللجوء الى دول الجوار”.ونبه كنا “المسؤولين الكرد يعلمون جيدا بوجود خطوط حمراء دولية واقليمية ومن بينها كركوك، بالتالي فعليهم التصرف بحكمة وعدم اعطاء اي مبرر او ذريعة للتدخل التركي او الايراني”.واكد ان “حل مشكلة كركوك شأن داخلي وعلى جميع الاطراف الجلوس على طاولة حوار واحدة وحل مشاكلهم وفق القانون والدستور دون اي تصرفات فردية مستفزة للآخر قد تسمح بالتدخل بالخارجي”.
هذا التصعيد على المستويات كافة الذي “يؤججه” الكرد من المفترض أنه يكشف عن “تكاتف كردي حديدي”، لكن من الواضح أن الخلافات والاختلافات الداخلية الكردية تضع الحكومة الاتحادية والأطراف السياسية غير الكردية في “متاهة سياسية” تدور ممراتها ودهاليزها حول “المنافع والمصالح” الحزبية والشخصية.هذه “الفوضى” تضع الحكومة أمام تحدٍ كبير، حيث ما سيتمخض عنه لقاءها مع الوفد الكردي، سترفض كتلة التغيير وربما أطراف كردية أخرى، كما أنها لو حاولت التفاوض مع الأطراف الرافضة ستكون في مواجهة مع أكبر وأبرز حزبين كرديين هما الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.ومن الواضح أن هذا “التباين الكردي” مقصود ولم يأتي عفوياً، والهدف منه هو أن تضمن كل كتلة وحزب أكبر قدر من المكاسب، لكن في المقابل هل سيتحقق ذلك أم أن بغداد قد “تفجر” مفاجأة غير سارة للكرد؟!.