دولة كردستان العراق، تكون أم لا تكون؟

دولة كردستان العراق، تكون أم لا تكون؟
آخر تحديث:

  ابراهيم الزبيدي 

ليس سهلا أن نعتقد ببراءة السياسيين الكورد الداعين إلى انفصال إقليم كردستان العراق عن الدولة التي فرضوا عليها، هم أنفسُهم، عند كتابة دستورها، وبكل إصرار وشراسة، صيغة (دولة الأقاليم الفيدرالية الموحدة).

والأقرب إلى التصديق أنها حاجةٌ مرحلية تكتيكية من حاجاتهم الحزبية الانتخابية، هدفُها ابتزاز بغداد، أولا، و(قشمرة) المواطن الكوردي، ثانيا، وبيعُه عصافيرَ على شجرة القومية الكوردية، وهم يعلمون بأن الإمساك بها وهم لا يتحقق، لا اليوم، ولا بعد عمر طويل.

فليس معقولا أن يكون هؤلاء السياسيون يجهلون هذه الحقيقة، وينكرون وجود غيلان وتماسيح وذئاب في الدول المحيطة بهم من جهات كردستانهم الأربع، متربصة، متمرسة بالتآمر والاحتيال والتخريب والانتقام، ويجن جنونها فقط عند سماع من يتحدث عن الحرية والديمقراطية والإنسانية وحق تقرير مصير الشعوب، وترتجف خوفا من فكرة قيام أي شكل من أشكال الدولة الكوردية المستقلة في العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران.

والظاهر أن أقوى الدوافع إلى إثارة هذه البالونات الهوائية، من قبل أحزاب الإقليم وسياسييها ورؤساء عشائرها ومُلاك أرضها ومائها وهوائها، هو تناقص شعبية هذا القائد الحزبي وذاك، والخلافاتُ الحامية التي لم تعد سرا بين المحاور والتجمعات ومراكز القوى الإقطاعية المافوية المالية والعسكرية حول (من) يكون الرئيس، و(من) يكون نائب الرئيس، ومدير المخابرات، ومدير البنك المركزي، ووزير النفط، والإسكان، والكهرباء، والماء. وليس هناك أمضى من سلاح استثارة المشاعر القومية المحبوسة في نفوس الناخبين.

ويمكن القول إن عبثية الدعوة إلى الاستفتاء والانفصال، وفراغَها من أي مضمون حقيقي، نابعان من أمرين، الأول أن قرار العطس والغطس والرفس في المنطقة ليس بيد من يحكم أربيل أو السليمانية، ولا حتى بغداد وأنقرة وطهران ودمشق، بل فقط، نعم فقط، بيد حفنة قليلة جدا من الكبار الذين يديرون العالم، ويرسمون له حركة سفنه، ويقررون له اتجاهات رياحه، ويضبطون ساعات أهله بالدقيقة والثانية. ومن لا يعترف بذلك فهو مجنون، أو محتال، أو عبد مأمور.

وحتى إذا افترضنا أن أؤلئك الكبار قد أعطوا الضوء الأخضر للسياسيين الكرد لفصل كردستان العراق هل وعدوهم بوضع جيوشهم الجرارة، بعد ذلك، على حدودها لمنع جيرانها من استخدام أساليب الحروب الناعمة التي يتقنون إدارتها واستثمارنتائجها دون سلاح؟

ثم كيف يتوهم السياسيون الكورد بأن تحويل كردستان العراق إلى (جيب عميل) لقوى خارجية يمكن أن يقاوم أحتقار شعوب المنطقة وأحقادها، ويأمن تقلبات الزمن الدوار؟

أما الثاني فهو أن الأغلبية الشعبية الكوردية، رغم تعلقها بأمل الاستقلال، وحبها الغريزي العميق لفكرة قيام دولة الكورد الواحدة التي تجمع كرد العراق وتركيا وإيران وسوريا، واعية أكثر من قادتها الذين تعرف أنهم باعة شعارات، وعارفة أن الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة دفعت سيولا من دماء رجالها، وبحارا من دموع نسائها، من أيام العهد (العصمللي)، ثم الإنكليزي الفرنسي الإيطالي، ثم الناصري، ثم البعثي، ثم الأمريكي، وأخيرا الإيراني، ثمنا لحلم الوحدة، ثم تاب عنها فلاسفتها وكتابها ومنظروها، وماتوا وهم في حسرة وندم على ما أنفقوه من أعمارهم ومن أعمار أجيال عربية عديدة متعاقبة، مقابل سراب.

والأكثر إقناعا بأن السياسيين الذين يرفعون شعار الاستفتاء والاستقلال غير جادين، فعلا، في سعيهم لتأسيس دولة كوردية قابلة للعيش مئات السنين، وليس عاما أو اثنين أو عشرة أعوام، أنهم يُمعنون في تخريب علاقات الود القليلة الباقية بين كورد العراق وعربه وتركمانه، ويقلبون المحبة عداوة، والحق باطلا، وهم يعلمون أو لا يعلمون.

فأية دولة يمكن أن تقام على كره شعوب جيرانها قبل حكوماتها؟ وأية دولة تلك التي يسعى الداعون إلى إقامتها بالعصا والسكين، وبقهر جيرانهم، ليس البعيدين عنهم في بغداد والحلة والبصرة وبعقوبة وتكريت والرمادي وسامراء، بل أؤلئك الموجودين بين ظهرانيهم في كركوك ونينوى وديالى الذين لم يرحلوا عنها، ولن يرحلوا، مهما قال أو فعل هذا الزعيم الكوردي أو ذاك؟.

شيء آخر. إن هناك، ويُعتقد بأنها مازالت قائمة إلى اليوم، وحدةً حقيقية بين الجماهير العربية والكوردية المستقلة البريئة المتطلعة إلى العيش الآمن الكريم في دولة موحدة مستقرة وقوية، والغاضبة اليوم على حكامها الكورد والعرب، جميعا، والتي تتظاهر وتعتصم ضدهم، باستمرار، في البصرة والناصرية والحلة والنجف وكربلاء وبغداد وأربيل والسليمانية، وتقمعها الهراوات والمسدسات والسكاكين.

فهل يعقل أن تكون تلك الجماهير الواسعة قد فقدت ذاكرتها، ونسيت أن السياسيين الذين يَعِدونها اليوم بجنة فردوس جديدة على أرض كوردستان العراق، هم أنفسُهم الذين اتبعوا أهواءهم ومصالحهم الشخصية والحزبية والقبلية، فأجهضوا حلم الدولة العراقية الديمقراطية التي قاتلت تلك الجماهير أجيالا من أجلها، وأفسدوا حياتها بتحالفاتهم الانتهازية مع أحزاب دينية طائفية يعلمون بأنها متخلفة وفاسدة وبأن ولاءها ليس لوطنها وأهلها؟

وهل عميت تلك الجماهير فلم تعد ترى ما فعلَ وما يفعل أصحابُ الحل والربط في الإقليم، منذ استقلالهم عن مركز الدولة العراقية بُعيد انتفاضة 1991، وبعد نيسان 2003، وحتى اليوم؟ فإن كانوا قد نهبوا الدنيا وهم في إقليمٍ تابعٍ لدولة لا يستطيعون بيع شيء من نفطه وغازه إلا

بإذنها وتحت أنظارها، فماذا سيفعلون غدا لو أصبحوا وحدهم مَن يبيع ويشتري، يدفع ويقبض، دون رقيب ولا حسيب؟

وحتى لو كانت الأغلبية الشعبية الحقيقية في الإقليم تريد الانفصال وتأسيس دولة مستقلة تُجاورُ العراق وتركيا وإيران وسوريا، فليكن، ولكن ليس بأؤلئك القادة الفاشلين الفاسدين، وليس بالغرور والعنجهية والتعالي والانتهازية والابتزاز.

ودولة من النوع الذي يكون شريانُها ووريدها بأيدي جيرانها الأربعة لابد أن يكون أمنها الوطني ومستقبلها بأيدي جيرانها الأربعة أيضا، دون ريب.

ويتذكر اللبنانيون كيف كان نظام حافظ أسد وابنه بشار يغضب، لأي سبب، على لبنان فيختلق الأعذار، ويغلق حدوده معه، فتختنق الحدود بأرتال الشاحنات الذاهبة بصادرات الشعب اللبناني، والعائدة إليه بمستوراته الخارجية، أياما وأسابيع، إلى أن ينتزع السوري ما يريد، وبلا قتال.

هذا من الخارج. ومن الداخل كان النظام السوري، وما زال، يعبث بأمن جارته اللبنانية، بوكلائه وعملائه، ويستثمر خلافات أحزابها وتياراتها المتصارعة.

هذا كله إذا لم تشتعل حروبُ الداخل بين (الإخوة الأعداء) أرباب الدكاكين السياسية والحزبية الكوردية على هذه الوزارة وتلك، وهذه السفارة وتلك، وتعود قرقعة السلاح، من جديد، حتى قبل مراسيم إعلان الاستقلال .

إلا إذا قبلت أربيل بأن تكون محافظة تركية، والسليمانية محافظة إيرانية. ولا يَعتقد إلا مَن كانت على قلبه وسمعه وبصره غشاوة بأن المواطن الكوردي العراقي سيكون في أحضان السلطان أردوغان، وتحت عباءة الولي الفقيه، أكثر أمنا وقوة وكرامة مما هو تحت خيمة العراق القوي العزيز الذي سوف تحرره وحدةُ قواه الوطنية التحررية الديمقراطية الخيرة مما علق به من جراثيم ودود وثعابين.

ثم، هل سيكون التركي والفارسي ألطف وأرحم وأكثر إخلاصا للمواطن الكوردي العراقي من أخوته العراقيين؟؟.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *