تختلف الآراء والتقييمات حول مستقبل العراق الذي مر بمحن وفواجع كثيرة وتجاوزها بخسائر مادية وبشرية كبيرة، مع إختلاف التمنيات والمعادلات والتوازنات السياسية والتدخلات الإقليمية الكثيرة، والسياسات الهشة التي تدور في الفلك الطائفي والمذهبي، وإستسلام الكثير من السياسيين للأجندات والضغوطات الخارجية، وستختلف أكثر، بعد أن تنتهي معركة طرد داعش، وستكون المرحلة القادمة هي الأخطر, كون الخلافات ستتصاعد، وبعضها التي تدار حتى الآن بسرية تامة وتكتم شديد خلف الأبواب المغلقة، ستظهر للعلن من خلال وسائل الإعلام والقرارات المفاجئة، وربما ستصل الى السقف الذي لا يمكن تجاوزه، أو الاشتباك بين مراكز القوى، وبالتالي، ترغم الجميع على مراجعة أوراقهم وتحمل مسؤولية التقصير في التعامل مع الأحداث التي تشهدها المنطقة التي تمر بمرحلة التأزيم والإحتقان والترقب الحذر, نتيجةً لمعادلة أو سياسة شد الحبل بين الولايات المتحدة وحليفاتها من جهة، وروسيا وأصدقائها من جهة أخرى.
العراق الواقع في قلب الأحداث والذي يعاني أصلاً من مصائب إنعدام الثقة بين القوى السياسية والمكونات الرئيسية، والتخبط والفوضى والتخوين والتنكيل والاستهداف, ستكون فيه الأحداث مفتوحة على إحتمالات وتغييرات كثيرة وستتسبب في تبادل الأدوار وبروز تحالفات جديدة تغير من طبيعة المعادلات السياسية، وفي رسم خريطة جديدة تؤثر على البنية الديموغرافية والعرقية والدينية والطائفية.
الآراء والتقييمات تتحدث عن الصراع وتصادم الرغبات والمصالح بين الكورد والعرب، وبين الشيعة والسنة، وبين الشيعة والشيعة، وبين السنة والسنة، وتلك ورقة رابحة تمنح للخصوم. بينما تتجاهل ( ألآراء والتقييمات) الصراعات المحتملة بين القوات الموجودة في المناطق السنية التي تتميز بتركيبة سكانية معقدة، والتي ستلجأ الى الإنتقام من مؤيدي ومبايعي الدواعش، وكذلك الدواعش الذين سيختبؤون بين الأهالي، ومن الشيعة الذين سيدخلون الى مناطقهم. إنتقام يمكن ان يكون سبباً مباشراً لإشتعال حرب محلية أو اقليمية أو دولية مباشرة تجر القوى الصغرى والعظمى على حد سواء الى مستنقعها, وتعيد رسم الخرائط السياسية، وقد تؤدي الى التوجه السريع نحو التقسيم الى دولتين، كوردية وعربية، أو الى ثلاث دول، كوردية وعربية سنية وعربية شيعية أو أكثر من ذلك. كما تتجاهل إنه بعد التحرير وبعد إنجلاء غبار المعارك ستبداً معركة (كسر العظم)، بين أصدقاء اليوم (في الصف الشيعي)، وبالذات بين الذين لديهم مآرب خاصة للضغط والابتزاز ويسعون لكي يعززوا نفوذهم ويترقبون مجريات الاحداث بحذر وخبث شديدين، وطبعاً تبدأ معها أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة في الحياة السياسية. وستتشبث كل الأطراف بإختياراتها وستبدي مقاومة لمحاولات فرض قانون اللعبة الجديدة التي ستكون إما عبر الدعوة الى اللجوء الى صناديق الاقتراع، أو الإستجابة لتعليمات صادرة من الخارج، أو التناغم مع إملاءات شخصية وحزبية، أو حتى التوافق مع المناورات التي تطبخ في الكواليس.
على كل حال، مرحلة ما بعد المعركة الحالية ضد داعش، ستكون مصيرية بكل المقاييس لأنها ستكتب مصير العراق وتحدد مستقبله، وتؤدي الى تقسيمه الحتمي عبر طريقان لاثالث لهما وهما، إما تطور الاحداث بشكل سلبي وتفاقم الأمور وزعزعة الأمن والإستقرار ونزاع وإقتتال طائفي وعرقي وسياسي يأتي على ماتبقى من أخضر أو يابس في هذا البلد المحطم، ووضع كل شىء على شفى جرف هار. وإما التحلي بالعقل والحكمة وتقديم الإعتذارات المتبادلة والتسامح والحوار والتفاهم وتقسيم المقسوم بالرضا والتراضي.