آخر تحديث:
بقلم:حامد الكيلاني
من تقاليد السياسة العراقية بعد الاحتلال أن الوفود الرسمية تختتم جولاتها الإقليمية بعد زيارتها إلى الدول العربية وعلى كافة المستويات في طهران وبمقابلة المرشد الإيراني خامنئي والاستماع إليه على طريقة التلاميذ لتلقي الوصايا والنصح والمباركة.
رئيس الوزراء حيدر العبادي لا يخرج عن هذه التقاليد، هذه الملاحظة أصبحت ساذجة لكثرة تكرارها وما يصدر عن زيارات إيران من تصريحات دبلوماسية عن تطوير العلاقة بين البلدين، بل أحيانا تبدو الزيارات الرسمية لأي بلد عربي أو حضور مؤتمر ما في أي عاصمة عربية مبررا أو مقدمة لجدل عن أسباب الحج إلى قم وطهران من باب أطروحات الدور العراقي في إقامة علاقات متوازنة مع كل الأطراف ومنها دول الجوار.
الاتفاقيات الموقعة مؤخرا بين المملكة العربية السعودية والعراق، وبحضور وزير الخارجية الأميركي بات جليّا أنها تلخص السياسة العربية تجاه العراق وأيضا السياسة أو الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران في العراق.
العرب عموما والمملكة العربية السعودية تحديدا يتقاربون مع العراق كجزء من الأمة العربية أرضا وشعبا، انطلاقا من الوعي بأن تخليهم عنه الذي استمر لسنوات ما قبل الاحتلال وسياسة النأي التي تعمقت بعد الاحتلال لمخاطر التغلغل الإيراني فيه وانتشار المد الطائفي كالوباء في المنطقة؛ لم يؤد إلا إلى الكوارث وتدمير المدن والانتهاكات وتفاقم الإرهاب وتمدده وتنامي قوة الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني.
التقارب العربي مع العراق، تنفيذ لسياسة منهجية لا تتعاطى معه كنظام سياسي أو شخوص أو توجهات تتغيّر جميعها بحكم التحوّلات وفترة بقاء السلطة وزوالها، إنما التقارب يحصل مع العراق ككيان ثابت ومستقر على قواعد أساسية من حقائق عروبته وتكوينه النفسي الذي تشكل عبر قرون من المصير المشترك.
سياسة الوجهين للدولة العراقية الحالية ما عادت تقف حائلا أو حجر عثرة أمام خطوات عربية واثقة لا تستسلم في الواقع السياسي الطارئ في العراق الخاضع لإملاءات المشروع الإيراني وصادراته. هي خطوات بمثابة استجابة لترجيع صدى لنداءات أصوات وأقلام دعت إلى عدم التفريط بتسليم العراق وشعبه أو بجزء مهم منه إلى إيران بحجة الانتماء العقائدي أو الطائفي.
نحن بصدد سياسة تحاول انتزاع العراق العربي من الاحتلال الإيراني المتخلف، وكذلك إبعاده تدريجياً عمّا لحق به وما سيلحق به بسبب سياسة حكامه وتبعيتهم لنظام الولي الفقيه كمرجعية دينية وسياسية فاشية لا يمكنهم معها التلاعب بالمواقف والتصريحات لمدارات التوجهات الحقيقية، وذلك من طبيعة الدبلوماسية أو مكاسب السياسة، إلا إنها بالنسبة لحزب الدعوة والأحزاب الدينية الطائفية الأخرى انتماء جوهري وولاء عنصري يقفز على مفاهيم إدارة الدولة، ولذلك لا يمكن إخفاء علاقتهم بالنظام الإيراني وأهدافه التي هي أهدافهم حتى ولو على حساب العراق ومستقبله.
أجهز حكام العراق على نصف عرب العراق والنصف الآخر عاطل عن الحياة ويعمل كمصرف دم متنقل وتعويضات لخسائر فيلق قاسم سليماني من قصر شيرين على الحدود العراقية الإيرانية إلى البحر المتوسط، أو أي مكان آخر تدعو فيه الحاجة لتواجد ميليشيات الحشد الشعبي أو الحرس الثوري الإيراني كما يهتف زعيم حزب الدعوة نوري المالكي.
المرشد الإيراني خامنئي يخاطب حيدر العبادي رئيس وزراء العراق والقائد العام لقواته المسلحة: إن من حق العراق القوي والمنتصر أن يلعب دورا قياديا في المنطقة. وقراءة لمفردات هذه التغريدة الإعلامية من لقاء العبادي، ودون تجنّ نقول من لقاء العبادي بمرشده خامنئي، يتبيّن لنا نوع الحق الذي وهبه للعراق في التصرف كقائد قوي ومنتصر، أي إنه بارك للعبادي جولته العربية وزيارته لتركيا، دون أن يتناسى المرشد الإشارة إلى لقائه بوزير الخارجية الأميركي بتنبيه العبادي إلى أن أميركا ماكرة في سياستها. جاء ذلك في وقت صرّح فيه نائبان أميركيان تعليقا على ما ورد من إيضاحات العبادي عن دور الحشد الميليشياوي في الدفاع عن العراق ردا على تحفظات أميركا على دور الميليشيات الإيرانية أو أذرع الحرس الثوري في العراق.
زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، وهو زعيم الجناح العسكري والميليشياوي للدولة العراقية التي يمثّل جناحها السياسي حيدر العبادي، يقسم العراق طوليا من الشمال إلى الجنوب في توليفة جديدة، نصف الجسد العراقي فيها بمحاذاة إيران، والنصف الآخر بمحاذاة العرب.
صار معلوما التوجّه الإيراني لشطر الأكراد في إقليمين، أما العراق العربي فهو حلقة خطبة في إصبع المشروع الإيراني ممكن أن تنفتح في اتجاه العرب سياسيا، وممكن أن تنفتح بالميليشيات والحرس الثوري كما هو حاصل الآن أو بما تنتقيه السياسة الإيرانية لمواجهة الاستراتيجية القادمة ومركزها سيكون في العراق. هل ما قصده خامنئي من قوة العراق استحضار لتكاليف دم مضافة على العراقيين؟
واقعيا العراق يتكون على مقياس الصراع بين كردستان وحكومة بغداد إلى طرفين. طرف كردي وطرف تمثّله الكتلة الطائفية الأكبر، لا طرف ثالث في المعادلة العراقية.
مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان أشار عدة مرات إلى استحالة التعايش مع حكومة طائفية تقودها الميليشيات، علما إن معظم قادة الميليشيات هم رفاق “شارع النضال” قبل الاحتلال مع القادة الأكراد وكانوا ضيوفا لسنوات طويلة على أربيل والسليمانية وجبال الإقليم وبينهم تفاهمات وتعهدات لما بعد استلام السلطة.
الأزمة الحالية بعد الاستفتاء وتوابعها من اقتتال وإهانات متبادلة كانت في متناول اليد ووهبت كركوك ومناطق أخرى تحت بند المادة 140 من الدستور. لكن لماذا تم تجاوزها زمنيا، ويجري الحديث اليوم عن انقضاء فاعليتها لأنها لم تنفّذ في فترتها المحددة؟ لماذا اكتشف عملاء المشروع الإيراني أنهم الآن قادة دولة، وأن كركوك وغيرها من مدن وأراضٍ تابعة لسلطة الدولة العراقية؟
الانقسام الكردي وانكشاف الدور الإيراني أكدا أنّ فصائل من القوى الكردية كانت تنتظر رد الفعل على الاستفتاء ونتائجه ليستثمروا في الوقائع الجديدة بإعلان انتمائهم إلى المشروع الأوحد في العراق، متجاهلين تضحيات أجيال من الأكراد كانت ومازالت تعتبر تاريخها بما فيه الاستفتاء الأخير نقطة لنهاية حقبة وبداية إصرار لحقبة أخرى. متناسين أو غافلين إن الاستفتاء على انفصال الإقليم عن المشروع الطائفي في بغداد لن ينتهي بظواهر الأشياء، بل يمتد إلى تداعيات الصراع الإقليمي في العراق وتناقضات المداخلات الدولية.
قيادة دولة أو قيادات دولة تتحدث عن حدود مرسومة بالدم واستحقاقات سياسية للدم في ظل دولة شراكة كانت فيها قوات البيشمركة تقاتل جنبا إلى جنب مع الحشد الميليشياوي لدحر تنظيم داعش في الموصل، واليوم يتقاتلان دون داعش وتسخر قيادتيهما من بعضهما وتصدران قرارات إلقاء القبض في حرب متقابلة.
قوات البيشمركة لم يتم تسليحها كقوة عسكرية عراقية، ولم يتعاملوا معها في سياق الحركات على عموم الساحة العراقية لأنها قوة خاصة بالإقليم، لكنهم سمحوا لها بالتحرك في سهل نينوى أي باتجاه أهداف يعتبرها الأكراد جزءا من حصتهم القادمة.
هل صدرت الأوامر من الحرس الثوري الإيراني بسحب قوات البيشمركة إلى مستنقع حرب العصابات، أي بصريح العبارة إعلان ميلاد إرهاب آخر مطلوب منه هذه المرة أن يكون كرديا. أم إن حرب الاستحواذ على آبار النفط ستستمر بين الإقليم وحكومة حزب الدعوة إلى حدود 19 مارس 2003 أو إلى حيث لا حدود؟