البارحة كنت أقلب في كتبي ودفاتري ليلا ..لأكتب مقالا جديدا اختارعنوانه منها..فجأة عثرت على كتاب أشتريته منذ أكثر من عشرين سنة يوم كنت تدريسياً في كلية آداب جامعة الكويت المتميزة .اسم الكتاب ..الفقيه والسلطان لمؤلفة د.وجيه كوثراني،والكتاب من نشر المركز العربي الدولي عام 1990.
الكتاب يبحث في تجربتين تاريخيتين هما : الدولة العثمانية والدولة الصفوية القاجارية..وهما من أهم مراحل الدولة الاسلامية في القرنين الرابع والخامس الهجريين.
عند اعادة قراءة الكتاب ، وجدت شيئا جديدا هو اننا كنا نقرأ دون مراجعة او توثيق ،ونُصدق ما يُكتب دون تحقيق.فوقعنا في خطأ التقدير. اليوم سنعود لقراءة ما كُتبَ ويُكتب لنرى كيف كتبَ الاعداء تاريخنا بأقلام الحقد والكراهية منذ زمن بعيد،وكيف خربوا وحدتنا الدينية والوطنية عن قصد ..ولا اقصد الكاتب بل الفقهاء الأجانب ومن نقل النصوص منهم للكُتاب الأخرين..
يتناول الكتاب موضوعاً تاريخياً في غاية الاهمية..محللاً منهج الأستعادة التاريخية بين السياسة والدين، وبين الدعوة والدين،وبين السلطان والفقيه..ويقول الناشر لهذا الكتاب الثمين ان مساحة العلاقة يجب ان تغطي أوجه التقارب أو التعارض بين الطرفين..وكذلك اوجه الاستخدام الوظيفي للدين أو أوجه الدين للسلطان ،او بالعكس. ومن وجهة نظري ايضاً ان هذه العلاقة الخاطئة لا تزال تحمل الكثير من التعقيدات الفكرية والفقهية السياسية..تتمثل في اوجه التشابه والاختلاف بين تجربة ايران وتجربة آل عثمان في الوطن العربي وخاصة العراق مركز ثقل الفكر التاريخي القديم والحديث معاً.
2
التجربة تدرس العلاقة بين الدين والسياسة منذ ان تحولت السلطة الدينية الى ملك عضوض كما أرادها الأمويون في عام (41 للهجرة )، هذه النقلة السياسية قد غَيرت الصورة الحقيقة للدولة الدينية تماما، حين نقلتها الى نظام يقوم على التوريث مع المحافظة على شكلية البيعة العامة والخاصة للمسلمين،حين ضربت الشورى.وبذلك اصبحت الرئاسة اقرب الى السياسة منها الى الدين.
هذه الظاهرة السياسة المتعارضة تكررت في عهدي بني بويه (334-447 للهجرة )، وبني سلجوق (447- 547 للهجرة). وبشكل خطير على ايام ظهور الفقهاء الشيعة الفرس ،وردود الافعال القوية المضادة لهم عند الفقهاء السُنة السلجوقيين .
ان دهشة الناس قد أختفت نحو التأييد لهم خاصة بعد ان تبين ان الأمر في النهاية لا يختلف عما سبقه من سياسة الدولتين الاموية والعباسية، خاصة بعد ان بقيت المظالم قائمة ،والضرائب ترهق الناس ، ونظام الحكم مختلاً،والحكم القائم ظل بعيدا عن نظرية الحق والعدل ومشاركة المواطنين ، لذا اصبح الأتجاه نحو الفقهاء ضرورة لأيجاد سند شرعي لدولتهم اللاشرعية ليظهرهما بمظهر الدولة الشرعية التي استماتت الدولة العباسية ولم تحصل عليها ،بفضل موقف واصرار أهل البيت(ع) .
وهكذا ظلت الدولة في كلا العهدين البويهي والسلجوقي قائمة على سلطة القوة من جهة ، وتبريرات الفقهاء من جهة اخرى،دون أشراك رأي الأمة بشكل حقيقي وفعال، مما احدث تغيراً ونقلة كبرى في مسار نظام الحكم والذي ادى به الى الضعف والتدهور وبالتالي السقوط والانتهاء..
يقول الكاتب ان في كلتا الحالتين البويهية والسلجوقية هو ان الفقه السياسي ، وعلم الكلام في حركة الواقع الاجتماعي تجسد في الدفاع عن مؤسسة الخلافة ، وليس لبناء دولة الحق المطلق بين الحلال والحرام كما كانوا يدعون ، و كما أرادها الأسلام ان كانوا هم على صدق ما يدعون.وهكذا يتكرر اليوم في عهد التغيير في العراق وكأن المرافقين للتغيير بعد 2003 جاؤا نسخة طبق الاصل عما كان عند
3
البويهيين والسلجوقيين . حين كانوا يكذبون على الناس، ويدلسون في القانون والدين، ولا يفرقون بين الحلال والحرام ، ولا يصونون الدستور الذي اقسموا بالحفاظ عليه امام الله والمواطنين، فهل امثال هؤلاء سيحققون بناء دولة الحق والقانون والدين ؟ لا يمكن .. لأن فاقد الشيء لا يعطيه.اما تفاخرهم بالانتصارات العسكرية فهي تاريخ جيشنا البطل منذ ان وجد لحماية العراقيين ،وما غطرسة البرزاني ونهبه للارض والمال والنفط اليوم ما هو الا من جراء تماهلهم معه في الثوابت الوطنية ومنحه حقوقا لا يستحقها الاكراد بالمطلق ،لذا تراهم يتمردون على المركز معتبرين انفسهم هم الاصل وغيرهم الفروع ..
نعم ترى اليوم كل المسئولين دون تمييز يعيشون في عزلة شعبية من الناحية المعنوية – العزلة شعبة من الضيق- وهم في أسوء حال ،لذا همهم الوحيد هو تزوير الانتخابات ممثلة بالمفوضية الجديدة المحاصصية الباطلة لتضمن لهم البقاء المزيف ضد العدل والقانون . ويقف التحالف الوطني وتحالف القوى في المقدمة رغم ان الجميع هم شركاء الجريمة في قتل حقوق المواطنين ، وسرقة المال العام والتمييز بينهم وبين المواطنين.. ولكن حتى لو ملكوا السلطة والمال سيبقى شعورهم يلزمهم بالنقص ووخز الضميرلفقدانهم الشخصية القيادية في تقرير المصير،يتلمسون العون من المجاورين،لكن القشة لن تنقذ الغريق من موت محقق قريب.
نعود الى العهد البويهي – الشيعة الغلاة- الذين جاؤا للدولة العباسية وهي في أضعف حال على عهد المستكفي بالله العباسي لنعقد مقارنة بينهم وبين السلجوقيين في عهد الخليفة القائم العباسي ،وبين وسلطة التغيير الحالية.لنرى أوجه التشابه والاختلاف تتطابق تماما بينهم مع الفارق الزمني في هذا العهود المرة التي مرت على العراقيين، وسيرى القارىء والمواطن صدق ما نقول.
بصعود الفقيه محمد بن يعقوب الكليني فارسي الأصل (ت329للهجرة) في كتابه التأسيسي (الكافي ) في قسميه الأصول،والفروع. قامت الدولة البويهية في فكرها
4
السياسي الديني المخالف للمعتزلة راعية فكر التنوير .قامت بزعامةاحمد بن بويه وبعهده شهدت حركة الفقه الشيعي نشاطا وازدهارا كبيراً،حين ظهرت أمهات الكتب الشيعية الأمامية كمصادر للتشريع .. ويمثل محمد بن علي البويهي (ت 381 للهجرة ) فارسي الأصل احد أبرز ممثلي هذه الحركة.
لكن مجيء الشيخ المفيد من بعده(ت431للهجرة) فارسي الأصل ، وهو من ألمع فقهاء عصره.وهو صاحب كتاب الأرشاد في الأئمة الأثني عشر وكتابه الاخر (أوائل المقالات)..الذي وضعه كسياج قوي ضد الأشعرية والمعتزلة وماورائهما لسد الطريق نحو صحوة اسلامية جديدة.
من بعده جاء فقيهان من فقهاء الامامية هما الشريف الرضي جامع سِفر الامام علي(ع) نهج البلاغة والشريف المرتضي ..وهما من ابناء أبي احمد الموسوي(ت400 للهجرة) . اللذان حضيا برعاية بهاء الدولة وسلطان الدولة.
لكن الاهم في هذا التوجه الفقهي الكبير هو ظهور ابو جعفر الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (فارسي الأصل) وهو احد تلامذة الشيخ المفيد ومن أهم كتبه (الأستبصار) في الحديث.. وتهذيب الاحكام وبنهايته توقف الفقه الشيعي على مستوى علم الكلام والفقه وعلم الأصول وظهور نظرية النصوص والتقديس ومسيرات الاحزان واللطم والزنجيل لخلق واقع لهم لا يمكن اختراقه كما يظنون .
ورغم ظهور هذه المدرسة الفقهية الكبيرة ظلت العلاقة بين هذه النهضة الفكرية الشيعية وبين حكم الاسرة البويهية بحاجة الى دراسة معمقة لفهم التبرير الفقهي الشرعي لحكم هذه الاُسر في ظل الدولة العباسية السنية المذهب والتوجه.. وتبقى شرعية الحكم والاعتراف بها حجر الزاوية في التثبيت..
ان احسن ما قرأت هو النقد الموجه لهذه الحركة الفقهية الفارسية من المرحوم سماحة السيد محمد باقر الصدرفي تاريخه نشأة علم الاصول..حين اعتبر تأخر علم الاصول تاريخيا لم ينتج عن ارتباطه بتطور الفكر الفقهي ونموالاستنباط ، بل هو
5
ناتج عن طبيعة الحاجة الى علم الاصول لضرورة الابتعاد عن عصر النصوص الذي ابتلى به الفقه الشيعي فارسي الاصل والذي جمد العقيدة وأدى بها الى تجميد الفكر وتوقف التطور فيه،حين دست فيه النظرة التأملية والوهميات ولا زال كما هو الى اليوم لكثرة ما احاطوه بأسوار الطين..
ان الفكر الشيعي الحالي لا علاقة له بالمرة بأفكارالامام الصادق(ع) في السياسة والتشريع ،أقرؤوه لعلكم تتثبتون،والامام موسى الكاظم (ع) ،وثورة الحسين الشهيد (ع)،ولا حتى بمسيرة الامام علي (ع) فهؤلاء الأجلاء عمرهم ما فكروا بسلطة سياسية ،لا بل رفضوها بأصرار كما حصل للامام جعفر الصادق مع العباسيين ،والامام الكاظم ضد ظلم هارون الرشيد،والامام الرضا مع الخليفة المآمون ،والحسين الشهيد الذي استشهد وهو يدافع عن الحق وليس عن خلافة المسلمين ومراقبة الحق والعدل بين المسلمين .
فلا يجوز للمتآمرين على الوطن من الأجنبي ، وسراق المال العام والمتنازلين عن الثوابت الوطنية مساواتهم بهؤلاء الأفذاد من المخلصين.
ان الفكرالبويهي فكر احادي تدميري مختلف عن افكار اهل البيت بالمرة.ولهذا تتبناه مرجعية ولاية الفقية الأيرانية محاولة تثبيته وتطبيقه املا في الاستيلاء على العقل العراقي والعربي الشيعي وتدميره وهذا ما يحصل فعلاً اليوم عن طريق مؤسسات الدين والمليشيات لهم .
ثم جاء العصر السلجوقي بأمر وادهى أيلاماً من البويهيين فتولدت لدينا نظريات الفقهاء الجدد…
نظرية الماوردي (ت450) فارسي الأصل والتي نصت على: على عدم جواز خلع السلطان لصالح مرشح أفضل منه..دكتاتورية السلطة ،وكأنه يعبر اليوم عن توجهات سلطة العراقيين..
6
ونظرية الغزالي(ت505) فارسي الأصل التي نصت على :على الفقيه ان يعترف بالسلطة القائمة ،لأن البديل هي الفوضى ..,هي ليست مسامحة عن اختيار..ولكن الضرورات تبيح المحضورات.
نظرية بدر الدين بن جماعه (ت1333م) والتي نصت على : طاعة الحاكم دون أعتراض فهو ظل الله على الارض كما قالها المنصور العباسي في عصره الأول (136-158للهجرة).
أبن تيمية(ت1328م) مفكر واقعي في مجال السياسة..لا يؤمن بفصل الدين عن الساسة ..يتبع الحاكم الفعلي القوي حتى لو كان فاسداً.
صحيحي مسلم والبخاري (فارسي الأصل ) وما فيهما من زيادة ونقصان شوهت السُنة النبوية ،والمجلسي (فارسي الأصل) في كتابه بحار الانوار(125 جزءً) لو قرأت عشرة اجزاء منه لدخلت مستشفى المجانين، لما فيه من دس وتشويه وتلفيق في الأحاديث ،لا يقبله انسان .وفقهاء كثيرون ممن يؤمنون بنظرية الحاكم الفاسد والمستبد.
هؤلاء هم المفكرون والفلاسفة الذين وضعوا الاسس الفكرية الاولى لنظريات الضعف والتبرير والتي اصبحت قواعد ثابتة عند العرب المسلمين..وشكلت اساس الحكم في سلطة الدولة الأسلامية ..التي ضاعت فيها المعايير ..وركزت فيها الضعف على مر العصور.فهل بهذا الفكر التبريري سنبني دولة القانون..في عراق المظاليم ؟
ورغم صحوات المفكرين من أمثال محمد عبده وجمال الدين الافغاني وعبد الرحمن الكواكبي وهادي العلوي ومصطفى جمال الدين وأخرين ، لا زالت نظريات الضعف والوهم التي حُفرت في اذهان الامة شاخصة للعيان ومطبقة في حكم المواطنين .. حتى اصبح الخلاص منها شبه مستحيل.
7
وحين تبحث عن اوجه التطابق ترى ان الحاكمين الحاليين في العراق وكل من أشترك في جريمة 2003 يمرون بنفس الادوار من مخالفة القانون والدين..وسرقة المال العام والتحكم بسلطة المواطنين والتفريق بينهم بحجة المذهب والدين.
فماذا يرتجى من فقه أجنبي سخر للسياسة لا للدين ؟.
أصبح لزاما علينا تجديد الفكر الديني،وأستبعاد التيار السلفي الذي أصبح آفة تهدد البشر المسلم وحياته لعدم أيمانه بحركة الزمان والمكان وأغتيال التاريخ واسقاط العقل.وعلينا ايضا المطالبة بألغاء الوقفين الشيعي والسني وأستبدالهما بوزارة للاوقاف وبوزير مستقل .فأذا لم نبنِ دولة قانون لا دولة أصحاب الفتاوى من المشعوذين..سنبقى نواجه المصير .
نعم نحن اليوم بحاجة الى فقه جديد معاصر،وبحاجة الى فهم جديد للسُنة النبوية ،بعد ان نخترق الفقه الاسلامي القديم،و بعد ان نجتهد في ايجاد البديل. وهذا التوجه لا يتحقق الا بعد صياغة نظرية جديدة في المعرفة الانسانية وجدل الانسان،،فالمنطق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الصحيح.
فالحل يكمن في العلمانية لتحقيق القوانين ،وأبعاد مؤسسة الدين عن السياسة ،فالعلمانية هي ليست ديناً بديلاً عن الأديان ،لكنها نظام منهج فكري صحيح يستبعد التخريف، فمتى نستطيع تقليص المدارس الدينية التي سممت عقول الناشئة فيها بنظريات الوهم كالمهدي المنتظر وولاية الفقيه واللاورائية والتي تروج لها الفضائيات الطائفية،وأصبح انتشارها ووقوف مؤسسة السياسة بجانبها تهدد المجتمع برمته ،بعد ان اهملت مدرسة المنهج الصحيح ، لكي تستمر مؤسسة السياسة الفاسدة في حكم الناس دون تبديل كما يقول الدكتور خالد منتصر…بهذا الفقه الاجنبي الدخيل نبقى نتعايش مع مسيرات الاحزان واللطم والزنجيل..ومع ابن تيمية في التأويل ، هذا الفكر الذي أشاع بيننا الارهاب والتدمير.
8
نعم نحن بحاجة الى دستور جديد يكتب بأقلام فلاسفة الدستور، وليس بأقلام أتباع مؤسسة الدين الذين وقعوا على تدمير الوطن مخترقين الحق والقانون والذين منحوا الاكراد حقوقا تفوق حقوق كل المواطنين،وثبتوا المناطق المتنازع عليها خطئاً في الدستور والبشمركة كحرس حدود ومنحوهم سلطة تفوق سلطة الامن الداخلي حتى مكنوهم من الوطن وحقوق المواطنين .
والحاجة الماسة الى مجلس نيابي تمثيلي صحيح (ناخب واحد لمنتخب واحد)وليس بمجلس نصف اعضائه يعيشون في عمان واربيل ولندن وباريس ويقبضون الملايين، ورئيس ضائع بين ترفه والمستشارين الوهميين والمستشارات الساكنات سليمانية السلجوقيين .ورئيس اخر يدير مجلس النواب باوامر المهزومين المختفين في قصور السابقين ..والشعب في عوز السنين والاعلام ضائع بين المنجل والسكين… ولا احد يعرف من يصرح من الأعلاميين ..ولكي نعرف كيف تدون القوانين التي لا تتعارض مع الديمقراطية …لا الدين..فهل نبقى ننتظر الموت القريب..؟
يسقط مشروع البرزاني اللئيم وكل من يقف معه ولا مفاوضات مع المنشقين الا برضا الشعب ،فالوطن ملك الشعب وليس ملك من سرقوه وباعوا الحدود ، واستقروا في المنطقة الصفراء سجن الباستيل لهم ان شاء الله ولمن يساندهم ، لا اراهم الله الا العذاب المبين..خونة الوطن وبائعي الضمير.
كل الذين اشتركوا في العملية السياسة المجرمة من ألفهم الى يائهم يجب ان يقدموا لمحكمة التحقيق لمعرفة كيف خططوا لتدمير الوطن ،وأكلوا حقوقنا بالباطل دون مسئولية ضمير..وخانوا المبادىء وحنثوا اليمين.يبقى التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الأخبار….أما في باطنه فهو الأحداث..يا حكام العراق ..أحترموا شجاعة من يقول الحقيقة او بعضها ..فقد اوصلتم البلد الى حافة الأنهياروالتدمير..