منذ عام 2014 ولغاية اليوم ، تحولت الموازنة الاتحادية إلى بعبع يخيف شرائح كثيرة من الفقراء بسبب ما تتضمنه من تخفيض في فقراتها التشغيلي والاستثماري ، فتؤدي نتائجها للتأثير على مدخولاتهم بسبب فرض الرسوم والضرائب أو تضخم أسعار السلع عند فرض قيود على المستوردات أو التقليل من الخدمات أو تسعيرها أو زيادة أسعارها ، فشريحة الموظفين والمتقاعدين الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان غابت عنهم العلاوات السنوية منذ أكثر من ثلاث سنوات لان قيمة الاستقطاعات الجديدة ( أو زيادتها ) أكثر من مقدار العلاوة وما يترتب عليها من زيادة في المخصصات ، فزيادة ما يسمى استقطاعات الحشد الشعبي (مثلا ) من 8،3% إلى 8،4% يترتب عليه استقطاعات بمقدار 15 ألف دينار ( افتراضا ) في حين إن قيمة العلاوة السنوية 8 آلاف دينار ( مثلا ) ، والسبب هو إن الاستقطاعات تشمل جميع الاستحقاقات في حين إن العلاوة السنوية تمنح على الرواتب الاسمية وبعض المخصصات فحسب ، وتمتد تأثيرات بعض نصوص قانون الموازنة على جيوب المواطنين بشكل غير ملموس ، فقد أصبحت الموازنة تمنح صلاحيات للوزراء والمحافظين بزيادة الأجور المستوفاة عن السلع والخدمات وتخويلهم بفرض رسوم أخرى أو زيادتها دون قيود أو شروط وبعيدا عن نصوص القوانين الأخرى النافذة ، وبذلك تم فرض أجور الخدمات الصحية ورسوم المعاملات وأجور الخدمات وكل ما يدخل بمفهوم زيادة أو تعظيم الموارد ، بحيث امتد الموضوع إلى التربية والتعليم بشكل أو بآخر واغلب الفقرات التي تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين ، واغلب هذه الرسوم والضرائب والأجور عمياء أي إنها لا تفرق بن الغني والفقير بل إن بعضها تنطوي على قدر من التمييز ومنح الفرص للأغنياء على حساب الفقراء ، ومنها على سبيل المثال استحداث قنوات النفقة الخاصة للدراسة في الجامعات الحكومية التي بما يتيح الفرص الإضافية للأغنياء على حساب الفقراء من خلال الدراسة بمعدلات اقل لقاء أجور حددتها الجامعات ، أما تأثير الرسوم الكمركية على السلع المستوردة ( على فرض أنها تذهب كإيراد لصالح خزينة الدولة ) فان لها انعكاسا سلبيا كبيرا على الفقراء ومحدودي الدخل ، لان أية رسوم تفرض على المستورد فإنها تدفع من قبل المستهلكين بإضعاف ما تم استيفاءه فحين تزيد الرسوم على مادة معينة من 10الى 15% مثلا فان سعر السلعة ربما يزداد بمقدار 50% أي إن المستورد أو تاجر الجملة أو التجزئة ربما يربح 45% من السعر رغم إن مقدار الزيادة الكمركية هي 5% فقط ، والسبب هو الجشع والاستغلال وضعف المنافسة في الأسواق وسيادة سوق المنتجين إلى جانب اختفاء العملات الصغيرة من التداولات ، فلو أصبح سعر كيلو( الطماطة ) بعد زيادة التعريفة 600 دينار فان البائع يضطر لبيعها بسعر 750 دينار للكيلو غرام كحد أدنى لان عملة ال50 و100 دينار لا يتم تداولها في الأسواق ولعلها انقرضت بشكل كامل ، وفي أفضل الأحوال يقوم البائع ببيع الكيلوين ب1250 دينار وبذلك يتحول المواطن إلى متضرر من تغيير التعريفة في اغلب الأحيان ، وهناك من يضيف قيمة ما يدفعه من إتاوات على المستهلكين والمستعملين وكأن المواطن يدفع ثمن الفساد المستشري في المراكز الحدودية الذي كثر الحديث عنه .
وغالبا ما ترافق المراحل النهائية لإعداد أو مناقشة الموازنة الاتحادية إصدار تصريحات وإشاعة جو من الخوف والقلق لدى المواطنين ثم يتم التصريح بعدم صحة ما تم تداوله ، فقد نشرت بعض وكالات الأنباء خبرا مفاده إن الأمانة العامة لمجلس الوزراء نفت أمس ( الثلاثاء) عزمها تخفيض رواتب الموظفين بنسبة 20 بالمائة ، وذكر بيان رسمي إن الأمانة العامة لمجلس الوزراء تنفي ما ورد من تصريحات بان مجلس الوزراء سيخفض رواتب الموظفين بنسبة 20 %، وأضاف أن الموضوع لم يرد في مشروع قانون الموازنة لسنة 2018 وما تم التحدث به أكاذيب لا صحة لها ، ومثل هذه الشائعات يجب التصدي لها وعدم الاكتفاء بنفيها لأنها تحدث ضررا وقد يكون مطلقيها من أصحاب الغايات غير المعروفة وإلا لماذا يروجون لمثل هذه الأمور بدون الاستناد لمصدر حقيقي يمكن الاستناد عليه في تلك التصريحات سيما عندما يكون ذلك الشخص بموقع مرموق في إحدى السلطات ؟، ويبدو إن تأخر إرسال مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2018 من قبل مجلس الوزراء إلى مجلس النواب لمدة قاربت الشهر هو من يسمح بالتفسير والاجتهاد رغم إن الموازنة في طور المناقشة والمصادقة عليها في مجلس الوزراء ، ونحن هنا لسنا بصدد الكلام عن هذا التأخير لان المهم هو إن تكون الموازنة الاتحادية مصدر لإسعاد وطمأنة الشعب وتوفير الحد المطلوب من متطلبات الحياة ونخص بالذكر منهم ذوي الدخل المحدود ، فهم يتأملون خيرا من موازنة 2018 بعد القضاء شبه النهائي على عصابات داعش وما تحققت من انتصارات ، والزيادة الطفيفة في أسعار النفط ونجاح الحكومة الاتحادية في استعادة حقول كركوك النفطية والمباشرة الفعلية في تطبيق إحكام الدستور بخصوص إدارة الحكومة الاتحادية في المنافذ الحدودية والمطارات وغيرها ، وهي عوامل وأسباب من شأنها أن تجعل موازنة 2018 تختلف عن غيرها من الموازنات السابقة من حيث عدم تحولها إلى ( بعبع ) يخيف الفقراء من الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية والعاطلين عن العمل والفئات الأخرى التي تشمل المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وفئات أخرى يضيق المجال لذكرها وتعدادها هنا لكثرة إعدادهم وتنوع أسباب فقرهم وإفقارهم ، كما نتمنى أن تكون موازنة العام القادم ومناقشاتها بعيدا عن الأضواء والأهداف الانتخابية لكي لا يتم الطعن ببعض فقراتها من قبل الحكومة لاحقا لدى المحكمة الاتحادية كما حصل خلال الموازنتين السابقتين ، فالهدف يجب أن ينصب على العناية بالفقراء وتعويضهم عن جزء من الحرمان بعد شد الأحزمة على البطون في سنوات التقشف ، التي جعلت البعض يعزف عن المعالجة الصحية بسبب الفقر ناهيك عن عدم قدرة البعض على إلحاق الأبناء بالمدارس لما تفرضه من أعباء ، وهي أمنيات ليست مستحيلة وإنما تقع ضمن المشروعية التي كفلها الدستور ومن واجب السلطتين التنفيذية والتشريعية تلبيتهما في موازنة بحدود المائة مليار دولار .