احذروا التصويت الإلكتروني في انتخابات العراق

احذروا التصويت الإلكتروني في انتخابات العراق
آخر تحديث:

 بقلم:صادق حسين الركابي

بعد أن أظهر استجواب البرلمان العراقي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وجود فساد مالي و إداري في هذه الهيئة فقد تم استبدال مجلس المفوضين بآخر يؤمل أن يكون أكثر مهنية و حيادية و ذلك بالرغم من اختياره على أساس المحاصصة الحزبية.

و في محاولة منها لتسريع إعلان النتائج الانتخابية و منع حصول أي تزوير فقد تقرر تحويل عملية العد والفرز من النظام اليدوي إلى الإلكتروني. و تم التعاقد مع شركة Miru Systems الكورية الجنوبية لشراء 59800 جهاز فرز الكتروني بقيمة 100 مليون دولار.

الجهاز هو عبارة عن (ماسح ضوئي Scanner) يوضع فوق الصندوق الانتخابي ليقوم الناخب بعد اختيار مرشحه في ورقة الاقتراع بوضعها في فتحة الجهاز لتسجل خياره الكترونياً.

و لإضفاء مزيد من الشفافية وإزالة الشكوك لدى الاحزاب السياسية فقد نظمت المفوضية عرضا لآلية عمل ذلك الصندوق بحضور سفراء بعض الدول وممثلي الامم المتحدة في العراق.

انعدام الشفافية:

لكن مع الأسف فما ذكر سابقاً عن الشفافية و عدم حدوث أي تزوير أو تلاعب محتمل هو أمر مجانب للحقيقة. فالعديد من الخبراء الدوليين يؤكدون أن عملية العد و الفرز اليدوية هي أكثر شفافية و مصداقية من تلك التي تتم إلكترونياً بالرغم من تطلبها أعداداً كبيرة من الكوادر و استغراقها بعكس معظم الدول أياماً لإعلان النتائج.

أما في نظام العد و الفرز الإلكتروني فالتصويت و فرز الأصوات و جمعها يتم إلكترونياً لترسل النتائج لاحقاً للجهاز المركزي بموجب شيفرة محددة في برنامج الجهاز في غضون ساعات قليلة جداً. و لا يمكن لمراقبي الكيانات السياسية أو ممثليها الاطلاع على عملية العد و الفرز لأنها تتم داخل صندوق الانتخابات الإلكتروني.

الخبراء يحذرون من التلاعب بنتائج العد و الفرز:

و يشير خبراء تكنولوجيا المعلومات أن التصويت الإلكتروني لا يضمن عدم حدوث تلاعب بنتائح العد و الفرز ، موضحين أنه يمكن من خلال إدخال بطاقة ذاكرة جديدة (Memory Card) و برمجتها تغيير النتائح . و قد يتم ذلك عبر الـ (Modem) الداخلي لصندوق التصويت الإلكتروني الذي لديه قراءة مخفية قد تسمح لجهات خارجية بالوصول إليه دون أن يكتشف ذلك أحد. كما أنه يمكن القيام بذلك عبر الهاتف الخليوي والأقمار الصناعية أثناء عملية فرز الأصوات.

لذلك فإن أي حديث عن ضمانات بعدم حدوث أي تلاعب محتمل في الانتخابات القادمة هو أمر يحتاج إلى مراجعة. و يذكرمدير تطبيقات الحاسوب المتقدمة في جامعة Princeton البروفيسور Howard Strauss و هو خبير مشهور على صعيد الولايات المتحدة الأمريكية في مجال التصويت الإلكتروني وعمل سابقا في الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء أنه: “عندما يتعلق الأمر بالانتخابات المحوسبة (الإلكترونية)، فإنه لا توجد ضمانات، فهي ليست باباً من دون أقفال، و إنما هي بيت بدون أبواب “.

و يضيف ستراوس في حديثه عن انتخابات ولاية انديانا الأمريكية في العام 1984 و التي استخدمت التصويت الإلكتروني أن البرنامج المستخدم لحساب الأصوات كان معرضاً للتلاعب، مبيناً أنه كان يمكن إضافة أصوات من خلال بطاقات وهمية أو أن يتم تغيير مجموع الأصوات من خلال أي شخص مبتدئ في عالم الحاسوب.

الأخطر من كل ذلك، أن عملية التلاعب تتم ضمن الجهاز نفسه ما يعقد مهمة الكشف عنها. و يوضح مدير المركز الدولي لقانون الانتخابات والإدارة في واشنطن Gary L. Greenhalgh أن المشكلة مع أنظمة التصويت الإلكترونية هي أنها تجعل فرصة الاحتيال مركزية.

في حين يؤكد رئيس نظم الانتخاب الحاسوبية John H. Kemp أن أي نظام حاسوب يمكن التلاعب به و من غير الممكن اقتصاديا تماما أن يكون هناك نظام لمكافحة الاحتيال و حتى إن وجد هذا النظام فقد يكلف مليار دولار.

أما Eric K. Clemons وهو أستاذ مساعد في علوم القرار في مدرسة وارتون بجامعة بنسلفانيا فيوضح أنه بالإمكان استخدام نسخة محوسبة من التعليمات البرمجية لتعديل نتائج الانتخابات، مبيناً أن الكشف عن ذلك يستغرق أسابيع من الدراسة.

الأخطر من هذا كله ما ذكره مدير منتدى تحالف الدفاع عن الانتخابات Jonathan Simon حيث ذكر أنه بإمكان المتسللين أو القراصنة تغيير نتائج الانتخابات دون أن يتركوا أي أثر يذكر. ويستشهد سيمون بدراسات أجرتها جامعات جونز هوبكنز وبرينستون و ميشيغان ومركز برينان للعدالة الاجتماعية في جامعة نيويورك بولاية كاليفورنيا وأوهايو، وحتى مكتب المساءلة الحكومية الأمريكي.

النظام الأكثر شيوعاً في الدول المتقدمة:

اللافت للاهتمام أن معظم الدول المتقدمة صناعياً و تكنولوجياً تتجنب التصويت الإلكتروني وتلجأ إلى التصويت اليدوي في الانتخابات. حتى أن ست دول من أصل ثماني دول أوروبية عادت لاعتماد التصويت اليدوي بعد أن استخدمت التصويت الإلكتروني في وقت سابق.

و يمكن لأي عاقل أن يتساءل عن السر في إحجام تلك الدول المتقدمة علمياً و المعروفة بحرصها على الوقت و المال على استخدام النظام اليدوي بدلاً من الإلكتروني في انتخاباتها.

حالات عملية – ألمانيا:

تعتبر ألمانيا من الدول المتقدمة صناعياً و قد استخدمت أولى آلات التصويت الإلكتروني في انتخابات مدينة كولونيا عام 1998. اعتبرت التجربة ناجحة حينها، وبعد ذلك بعام واحد استخدمت كولونيا التصويت الإلكتروني لانتخابات البرلمان الأوروبي برمته، ما دفع المدن الأخرى لتحذو حذوها.

وبحلول انتخابات عام 2005 كان ما يقرب من 2 مليون ناخب ألماني يصوتون إلكترونياً، معبرين عن ردود أفعال إيجابية بسبب سهولة الاستخدام، و الإقلال من عدد مراكز الاقتراع والموظفين المشرفين عليها.

إلا أن دعوى قضائية تقدم بها اثنان من الناخبين أمام المحكمة الدستورية الألمانية غيرت مجرى الانتخابات في ذلك البلد. فقد قررت المحكمة أن التصويت الإلكتروني غير دستوري لأنه من الممكن إختراق آلات التصويت الإلكتروني أو أن يحدث فيها خطأ محتمل يعرضها للتلاعب. وبالتالي اعتبرت نتائج انتخابات 2005 غير موثوق بها، خاصة و أن جميع مراحل الانتخابات يجب أن تكون خاضعة للتدقيق العام ما لم تبرر مصالح دستورية أخرى غير ذلك.

الانتخابات الأمريكية

في عام 1985 قام عدد من الاستشاريين المستقلين في مجال الحاسوب بدراسة الانتخابات الأمريكية للأعوام 1980 و 1982 و 1984 في ولايتي غرب فرجينيا وإنديانا. و قد أظهرت الدراسة أن نظام التصويت الإلكتروني من قبل شركة C.E.S. Computer Election Systems قد صمم بطريقة تجعل من الممكن تغيير مجموع الأصوات دون أن يكون هناك أي دليل على ذلك أو بطريقة تسمح لممثلي الشركة بتزوير التصويت مباشرة.

و أوضح البروفيسور Deloris J. Davisson رئيس قسم الحاسوب في كلية أنسيلا في دونالدسون و بعد دراسته لكيفية فرز الأصوات المتنازع عليها عام 1982 أن ممثل شركة C.E.S. كان قد قد تلاعب عشية الانتخابات بنظام الأوامر التي أعطاها للحاسوب (2).

و قد وثق تقرير أصدرته وزارة التجارة الأمريكية في عام 1988 بعنوان “الدقة والنزاهة والأمن في التصويت المحوسب”، العديد من حالات سوء استخدام الأصوات والضعف المتأصل في أنظمة التصويت الإلكتروني .

فخبير الحاسوب Peter G. Neumann من معهد ستانفورد للبحوث يشير إلى سهولة إخفاء التزوير الحاصل في التصويت الإلكتروني. أما القاضي Richard Niehaus فيوضح أنه لا يوجد حماية كافية ومناسبة ضد أجهزة الحاسوب التي يجري برمجتها لتشويه نتائج الانتخابات.

و يتحدث الخبراء عن إمكانية التقليل من التزوير المحتمل في التصويت الإلكتروني و ذلك بإجراء عد يدوي لبطاقات الاقتراع ما يشير لاهمية نظام العد و الفرز اليدوي في هذا المجال (5).

التلاعب بنظام العد المركزي في التصويت الإلكتروني:

و لا تقف مشكلة التصويت الإلكتروني عند قضية التلاعب بالأصوات و حسب و إنما قد تساهم في تغيير النسب أيضاً. فقد أظهرت دراسة قام بها استاذ الحاسوب و أمن الشبكات في جامعة ميشيغان Alex J.Halderman أنه يمكن بكل تأكيد، من خلال فحص مختلف آلات التصويت الإلكتروني بنظاميها الـ Diebold و نظام المسح الضوئي OPTICAL Scan System ، التلاعب بنظام العد المركزي و إجراء تعديل شامل عليه، بحيث يمكن أن تظهر النتائج نسباً مئوية جديدة .

كما نجح البروفيسور Halderman في اختراق انتخابات 2008 لولاية ليهاي الأمريكية و السيطرة الكاملة تقريبا على البرنامج الخادم لآلة التصويت الإلكتروني، بما في ذلك القدرة على تغيير الأصوات وكشف الاقتراع السري للناخبين.

و يشير البروفيسور هالدرمان إلى أن تهديد الانتخابات يمكن أن يأتي من المرشحين السياسيين أنفسهم أو من الخارج مبيناً أن فريقه تمكن من اختراق كلمة السر لكل مقاطعة من ولاية ليهاي دون أية عوائق.

و في الوقت الذي اعتقد فيه مشرفوا انتخابات ليهاي أنه يجب أن يكون لديك القدرة التكنولوجية لتغيير البرنامج الخاص بالتصويت الإلكتروني، فإن الباحثين تمكنوا، من خلال بطاقة ذاكرة عادية، شبيهة بالتي تستخدم في الكاميرا الرقمية و تم شراؤها عبر الانترنت، من تغيير البرنامج بسهولة.

و على الرغم من قيام المشرفين على انتخابات ولاية ليهاي بوضع مفتاح مختلف لكل صندوق من الـصناديق الانتخابية الـ 700 المنفصلة عن بعضها فإن الباحثين تمكنوا من خلال فيروس واحد من سرقة برمجيات أحد الصناديق و التحكم بالصناديق الانتخابية الاخرى خلال العملية الانتخابية .

و يوضح المنسق العام لإعادة العد في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2004 في ولاية أوهايو Jesse Tendler وجود فرق واضح بين نتائج العد الالكتروني و اليدوي في كل منطقة من الولاية. فقد أظهر العد الإلكتروني لأصوات بلدة برادفورد على سبيل المثال وجود 443 صوتاً في حين أن العد اليدوي أظهر 440 صوتاً (أي بفارق 3 أصوات). و كذلك في بلدة بيكوا حيث أظهر العد الآلي 566 صوتاً في حين أن العد اليدوي أظهر 558 صوتاً (فارق 8 أصوات). و أيضاً في ولاية تروي حيث أظهر العد الإلكتروني 675 صوتاً في حين أن العد اليدوي أظهر 661 صوتاً (فارق 14 صوتاً).

و على الرغم من أن التصويت الإلكتروني أضاف أصواتاً قليلة في كل مرة إلا أن الأصوات يمكن أن تغير نتيجة الانتخابات بشكل كامل و تحسمها لصالح مرشح على حساب الآخر .

بالعودة لانتخابات العراق:

بعد العرض السابق لحالات عملية و استعراض لأراء الخبراء فإنه يبدو واضحاً أن عملية التصويت الإلكتروني المزمع استخدامها في الانتخابات القادمة في العراق لا تفي بالأغراض الدستورية الخاصة بالشفافية أو احترام سيادة العراق و الحفاظ على أمنه و قد تكون عرضة للاخطاء و التزوير و التشويه.

لذلك فإن النظام الأنسب لإجراء الانتخابات في العراق هو باستخدام التصويت اليدوي المعتمد من قبل أكثر من 20 دولة متقدمة في المجال الإلكتروني أو من خلال المزاوجة بين النظامين اليدوي و الإلكتروني لتجنب أي تزوير ممكن الحدوث.

و يكفي أن نشير هنا إلى أن كوريا الجنوبية، التي تعاقدت معها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على شراء الصندوق الانتخابي الإلكتروني، هي ذاتها لا تستغني عن العد اليدوي و ذلك لضمان عدم وجود تزوير أو خطأ. و لذلك فهي تعتبر الدولة الأولى في العالم من حيث المصداقية في العملية الانتخابية.

كما يجب التأكيد على أهمية تواجد مراقبين دوليين و ممثلين عن الأحزاب المشاركة في كل مركز انتخابي بالإضافة لموظفي المفوضية و ذلك لتحقيق أكبر قدر من الشفافية.

إن حماية الانتخابات المقبلة في العراق من أي تزوير أو تشويه محتملين بات أمراً ملحاً و ضرورة كبرى. لذلك فإن عدم تحقيق ذلك يعني تدمير كل طموحات الشعب العراقي في التغيير و الحصول على مستقبل أفضل يستحقه أبناؤه للتخلص من الفساد و القتل و الدمار الذي عصف بهم لأكثر من عقد من الزمن.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *