محمد بن سلمان العراقي

محمد بن سلمان العراقي
آخر تحديث:

 بقلم: إبراهيم الزبيدي 

لا أحد من العراقيين الصادقين الصابرين المخلصين لوطنهم وشعبهم لا يريد ولا يتمنى أن يصحو ذات يوم فيجد القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، حيدر العبادي، وقد أصبح محمد بن سلمان العراقي، يقول كما قال، ويفعل كما فعل، ويتجرأ، مثله، على كبار المتهمين بالفساد، حتى وإن كان منهم أمراء وشيوخ ووزراء وسفراء، فيسوقهم، كما ساقهم، إلى ساحة العدالة، ليتبين البريء منهم والمسيء، ويوقد في وطنه وأهله شعلة الحرية والكرامة، من جديد.

ومع أن ولي العهد السعودي، حين تقحَّم تلك القلاع المنيعة، كان يخاطر بنفوذه، وربما بمستقبله السياسي نفسه، إلا أن ضربته الكاسحة تلك لم تكتسب أهميتها من كونها استردت لخزينة الدولة قناطير مقنطرة من المال، ولا من إلقائها الرعبَ في قلوب المختلسين والمتلاعبين غير المكشوفين، بل من كونها خضَّت المجتمع السعودي بقوة، وأخرجت من أعماقه ملايين الخيّرين الحالمين بالعدل والنزاهة، وأخرجتهم من صمتهم الثقيل، وصبرهم الطويل، وجندتهم معه قوة هائلة مضافة سيستخدمها في حروبه القادمة، من أجل المزيد من الإصلاح والتغيير، وسوف ينتصر فيها، أيضا. ولكن مقاتلة الفساد العراقي أصعب من مقاتلته في السعودية إلى حد كبير. فليس بين المعتقلين السعوديين، على أهميتهم وقوة نفوذهم، من يدير ميليشيا، ومن يتقوّى بإيران.

ومأزق من يعد بمحاربة الفساد في العراق يكمن في أن الشارع العراقي لن يأخذه مأخذ الجد، ولن ينزل معه إلى ساحة المعركة، إلا إذا افتتح الحملة بكبير المتهمين بالفساد.

نعم، في العراق هناك أغلبية شعبية واسعة تتحرّق شوقا إلى معاقبة الفاسدين، كبيرهم قبل صغيرهم، وتتمنى أن يكون حيدر العبادي بطلها الشجاع الشهم الصادق الأمين الذي تخلده في تاريخها، ولكن العقل والواقع العراقي الذي تتناهبه الإرادات والمعسكرات والميليشيات يقولان بأن المسألة ليست، ببساطة، هي قيام ثلة من الشرطة أو الأمـن أو الجيش باعتقال حفنة من الفاسدين، وتنتهي، كما انتهت في الرياض، لسببين.

السبب الأول أن أيّ واحد من كبار الفاسدين العراقيين المطلوبين للعدالة يقود جيشا من المسلحين بأحدث أنواع الأسلحة، ووراءه جيوش أخرى عديدة غير مكتشفة من مرتزقة ومستفيدين وانتهازيين؛ وزراء ونواب ومحققين وقضاة وقادة أمن وجيش وشرطة ومدراء مصارف وخطباء حسينيات ومساجد وإذاعات وفضائيات وصحف لا تخاف ولا تستحي.

والسبب الثاني، وهو الأهم، أن النظام الإيراني المحتل يعرف جيدا أن أكبر المختلسين المرتشين المزوّرين في العراق هم وكلاؤه الكبار. ويعرف أيضا أن غالبية العراقيين، والشيعة أولُهم، تترصد بهم، وتترقب ساعة الانقضاض عليهم.

كما أنه يدرك، دون ريب، أن سقوط واحد فقط من عملائه الكبار يعني سقوطهم جميعا، واحدا بعد آخر. وفي هذا نهاية مؤكدة لوجوده الاستعماري في العراق، ونهاية مؤكدة أخرى لقدرته على استخدام العراق مستودعا لمخابراته وجواسيسه وأسلحته، وجسر عبور لحرسه الثوري نحو سوريا ولبنان.

ونحن هنا لا نقول ذلك لنحبط المتظاهرين المنتفضين المعتصمين ضد الفساد، ولكن لكي لا يعوم منهم أحدٌ بشبر ماء، ولا ينتظر ما ليس يجيء. فحرب بهذه الخطورة لن يخوضها إلا قائدٌ شهم وشجاع، وحكيم ومتحرر من طائفيته وحزبيته.

ولا يظن أحدٌ أن حيدر العبادي هو ذلك القائد الشهم الشجاع الحكيم. والمؤكد أنه لن يجرؤ ولا يريد أن يستل سيفه على وليِّه الفقيه وقادة الميليشيات وقاسم سليماني، ولا أن يعكّر مزاج حزبه الذي يعلن، باستمرار، اعتزازه بعضويته وبعقيدته وتاريخه، بلا انقطاع.

وبناءً على ما تقدم فإن حرب حيدر العبادي (الموعودة) على الفساد لن تكون، شاء من شاء، وأبى من أبى، إلا حربا على الصغار من (أذناب) الكبار. أما أصحاب الرؤوس الكبيرة فسوف يظلون في أبراجهم العالية، آمنين.

بعبارة أقصر وأوضح. إن الحرب على الفساد في العراق ليست على شلة فاسدين اختلسوا بعضا من المال العام، كما جرى في الرياض، بل هي على النظام الإيراني في العراق والمنطقة، قبل أن تكون حربا على وكلائه الفاسدين.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *