آخر تحديث:
بقلم: فاروق يوسف
هل تستعمل الولايات المتحدة ممثلة للغرب في أسوأ مواقفه وصوره، إيران أداة للإضرار بالعرب وتهديدهم من أجل أن يشعروا بالخطر الدائم؟سؤال يستدعيه التفكير في وعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لناخبيه، والتي كان بعضها موجها ضد العرب، والبعض الآخر كان موجها ضد إيران.سريعا نفذ ترامب كل ما يتعلق بالعرب وغض الطرف عما يتعلق بإيران.كان حاسما في ما يلحق الضرر بالعرب مثل موقفه من مدينة القدس. أما تهديداته الموجهة إلى إيران فقد ظلت على الرف ملفا يغص بالنظريات. معادلة لا يمكن استيعاب وتفكيك عناصرها بيسر.واقعيا فإن العرب لا يشكلون تهديدا للسلام العالمي ولا للمصالح الأميركية داخل المنطقة أو خارجها مثلما تفعل إيران، على الأقل على مستوى تصريحات مسؤوليها ونشاط ميليشياتها.
لم يوجه العرب أسلحتهم في اتجاه أية دولة حتى لو كانت تلك الدولة هي إسرائيل. فلمَ كل هذا العداء الأميركي الصريح الذي يبدو كما لو أنه كان ولا يزال مبيتا؟وكما هو معروف فإن القدس لا تشكل في العقل السياسي الأميركي مسألة ثانوية كما حاول الرئيس الأميركي أن يصور قراره بأنه جاء بمثابة اعتراف بالأمر الواقع. المسألة ليست كذلك تماما.الرئيس الأميركي الحالي، كما هم الرؤساء الأميركيون السابقون، يدرك مدى الحساسية التي ينطوي عليها موضوع القدس في الحياة العربية.وإذا ما كانت الفوضى التي يمر بها العالم العربي قد عطلت جزءا من التفكير العربي بالقضية المركزية في فلسطين، فإن ذلك ينبغي أن لا يشكل ذريعة لتصرف أميركي أهوج من شأنه أن يدخل الصراع العربي- الإسرائيلي في متاهة جديدة هي أكثر تعقيدا من المتاهات السابقة.
غير أن سياسة ترامب المقيدة بشرط الرغبة المبيتة في الإضرار بالعرب وحدهم دفعته إلى اختراق قرار مجلس الأمن الذي ينص على أن السيادة على القدس لا تخص طرفا بعينه من أطراف الصراع. ناهيك عن عدم تقديره لما طرحه العرب في أوقات سابقة من مقترحات لإنهاء الصراع بطريقة سلمية تنهي معاناة الشعب الفلسطيني.وكما يبدو فإن ترامب، الذي كان مهووسا بالمسألة الإيرانية في حملته الانتخابية، قد وجد الطرق كلها أمامه مسدودة للذهاب بوعوده المتعلقة بإيران إلى أقصاها، ففضل أن يتسلى بالعرب كونهم مقبلين على أميركا من غير شروط. وهو ما لم يكن كما يبدو محل تقدير لديه.
فكان ثمن ذلك الإقبال باهظا. وقد لا يُلام أحد غير العرب في ذلك. لقد تمّ استضعافهم حين استضعفوا أنفسهم بأنفسهم.أولا لأن عقلهم المهووس بالمؤامرات عطل قدرتهم على التفكير بالعدو الخارجي منشغلين بما أسموه بالعدو الداخلي الذي كان في أحيان كثيرة ملفقا ومخترعا من قبل مختبرات أجهزة المخابرات والأمن.وثانيا لأن ما فعلوه، بعضهم بالبعض الآخر، استهلك الجزء الأكبر من قوتهم وقدرتهم على مواجهة العالم الخارجي كما أدّى إلى هدر ثرواتهم في التسليح الذي لم يكن مصدر قوة بقدر ما كان سببا للمزيد من الضعف.
ثالثا لأنهم وبسبب سوء قراءتهم لمستقبلهم السياسي واستغراقهم في ردود الأفعال الآنية تغاضوا عن وحش التطرف الديني الذي كان يعتاش على حشود الفقراء الذين كان عددهم يتزايد مع كل حرب أخوية جديدة يدخل النظام السياسي العربي غمارها متذرعا بخوفه من الآخر العربي.ترامب وسواه من أصحاب القرار في العالم يعرفون ذلك وأكثر.عالميا فإن ردود الأفعال كشفت عن مدى تفاهة القرار الأميركي وعدم أهميته، بعكس ما ظهر من ردود الأفعال العربية التي حولت المسألة إلى تظاهرات شعبية غلب عليها الجانب العاطفي بشعارات مستهلكة ورثة لا معنى لها على المستوى السياسي.كان الأوْلى بالعرب أن يتساءلوا “لمَ تعاقبهم الإدارة الأميركية وهم أصدقاؤها في حين تكتفي ببرامج الدعاية في علاقتها بإيران التي لا تنفك عن إعلان عدائها للولايات المتحدة؟”.
لو أن العرب واجهوا ذلك السؤال بجرأة وصدق مع النفس لأدركوا أنهم يمشون في الطريق التي تقود إلى المزيد من الضعف.الولايات المتحدة التي اعتادت أن تكيل بمكيالين في ما يتعلق بقضايا العرب وخصومهم لا تحتاج إلى النصح، بقدر ما تحتاج إلى أن ترى عربا موحدين بموقف واضح لا يشوبه الالتباس من قضاياهم.حينها يمكن أن نتوقع ألّا تمضي الولايات المتحدة وراء طيش رجل واحد، حتى لو كان ذلك الرجل رئيسها.