صلاح حسن السيلاوي
ما زال الكتاب العراقي ومؤلفه يبحث عن نوافذ عربية يطل منها على العالم بأفكاره وأحلامه الابداعية، بينما تغلق البلاد أبوابها بوجهه، بل ما زالت الدولة ومؤسساتها تطرق أبواب دور النشر العربية لطباعة كتبها، فوزارة الثقافة لا تملك الا داراً واحدة يرى أغلب المثقفين أنها خاملة، كما أن جامعات عريقة مثل المستنصرية وبغداد والكوفة والبصرة والموصل وغيرها لم تفكر بتأسيس دار نشر لطبع مؤلفاتها على الاقل. من أجل كل هذا تساءلنا عن رأي المثقفين بدعم الدولة للكتاب، لماذا لا توجد دور نشر وتوزيع مهمة تابعة لوزارات الدولة كالثقافة والتربية والتعليم العالي ؟ ما قيمة دار الشؤون الثقافية العامة بوصفها الدار الوحيدة التابعة للدولة؟ وهل تمارس الأخيرةُ دوراً داعماً لظهور الكتاب في داخل العراق وخارجه ؟
وزارة تكميلية
الشاعر والمترجم نصير فليح أشار في حديثه إلى عدم وجود الكتاب ضمن اولوية الدولة والمجتمع واصفاً وزارة الثقافة العراقية بالتكميلية في ظل وجودها ضمن المحاصصة السياسية مؤكداً على اشتباك المجتمع مع مشاكل كبيرة تجعل من الكتاب امراً ثانوياً بالنسبة لجزء كبير منه، وأكد فليح موضحاً أنه يمكننا ان نحدد في هذا المجال سببين رئيسيين. الاول هو ان “النهوض الثقافي” بحد ذاته – الذي يمثل الكتاب احد جوانبه لا غير – جانب ليست له الاولوية لا بالنسبة للدولة ولا للمجتمع أيضا. والثقافة نفسها ووزارتها امست “تكميلية”، نوعا ما، في المحاصصات المتعاقبة. كما ان المجتمع ايضا في حالة من الاشتباك مع مشاكل كبيرة جذرية وملحة تجعل الكتاب وقراءته امرا ثانويا للقسم الاكبر منه. السبب الرئيس الاخر، هو مشاكل الفساد الاداري والمالي، الذي تحول الى اخلاقية عامة سواء في الدولة او المجتمع ايضا، بما في ذلك الجهات غير الحكومية و”الناشرين” الافراد في مجتمعنا، اي حتى بين من ينتقدون الدولة ليل نهار! دار الشؤون الثقافية متاخرة بوضوح لا سيما في جانب التوزيع. كما ان اصدار كتب مهمة نوعية تحفز الاقبال يتطلب تكليف اناس مقتدرين، وهذا يعني تحفيزهم ماديا، وهو ما يتم تحاشيه داخل الدولة او خارجها! فالكسب المادي مع عدم الانفاق مع نوعية رديئة، يظل الخيار الاكثر ملاءمة لهم، والاسباب معروفة كما اظن.
دولة بلا دور نشر
الروائي جابر خليفة جابر عدّ إهمال ملف الثقافة أمرا غريبا لا تفسير له سوى تخلف بعض المسؤولين عن البلد وجهلهم للنشاط الثقافي وأهميته واقتصار تفكيرهم على الاحداث الآنية بعيداً عن التخطيط الاستراتيجي بعيد الأمد،على حد قوله. لافتا إلى ان مؤسساتنا المختصة بالثقافة غدت أقرب الى السبات والموت السريري منها الى اي وصف آخر وافتقر العراق الى دور النشر، حتى ان وزارات اختصاصها هو الكتاب كوزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي تطبع كتبها المنهجية خارج البلاد لافتقارها الى دور نشر خاصة بها، وهذا ممكن مع ادنى شعور بالمسؤولية من قبل اي وزير. وأضاف جابر بقوله : اذ يمكن تأسيس دار نشر ربحية تطبع كتب الوزارتين وتطبع كتبا أخرى، وإذا ما تحدثنا عن دار النشر الرسمية الوحيدة فهي تبدو رتيبة وعاجزة وغارقة بالبيروقراطية المريضة وهي بكل حالاتها دار خاسرة تعيلها الدولة بسبب عدم مواكبتها عالم النشر المتطور بسرعة.ان المؤلف العراقي حاليا تحت رحمة دور النشر غير العراقية وشروطها واستغلالها، بل ان الكثير من المؤلفين هم ضحايا لاستغلال العديد من دور النشر الوهمية التي تظهر وتختفي كما الدمامل او الفقاعات المرضية على جلد الثقافة العراقية.شخصياً أرى ان على الدولة العراقية حكومة وسلطات تشريعية ومؤسسات الالتفات لهذا التردي الثقافي وفتح ملف الثقافة اسوة بملفات مهمة اخرى كملف الفساد وملف الامن وتخصيص ميزانية لدعم الثقافة عموما ونشر الكتاب العراقي خاصة وتخصيص جوائر مختلفة لتعزيز الهوية الوطنية والتعايش الانساني واعني حزمة جوائز لها اهداف وسياسة محددة شبيهة بحزمة جوائز نوبل وغيرها وينبغي ان تكون حازمة في رفض اي نشاط ثقافي مشبوه وتحريضي لا يتناسب مع ما نحتاجه للنهوض بالعراق. لا اقتصاد جيد ولا سياسة جيدة من دون ثقافة ناهضة والعراق غني بمثقفيه لكن ما يحتاجه هو فقط مؤسسات فاعلة ناجحة ، وليس هذا بصعب مع توفر الوعي والارادة الصادقة.
رؤية تسويقية قاصرة
الشاعر عادل الصويري تحدث عن مشكلة عدم الاهتمام بالكتاب واصفا اياها بالظاهرة العربية مشيرا إلى التراجع المستمر للكتاب بسبب ما أسماه بـ(تسارع الوتيرة الاتصالية الالكترونية) التي يجد الصويري انها سبب رئيس في تحويل قضية الإصدارات إلى سوق تجاري خاضع لمنطق الربح والخسارة من دون الالتفات إلى قيمة الكتاب معرفياً وأدبياً.وأضاف قائلا : مثل هذه المعطيات غير بعيدة عن رؤى الدول المشغولة بالتحولات السياسية مايجعل بوصلة اهتماماتها أبعد مايكون عن الاهتمام بالشأن الثقافي، وإن حصل فإنه لايتعدى الاهتمام السطحي الخاص بتنظيم المهرجانات التي يطغى عليها الجانب الاستعراضي. دار الشؤون الثقافية تنتج برأيي لكن رؤيتها التسويقية قاصرة بدرجة كبيرة.
بلاد بلا ترجمة
الشاعر سلام محمد البناي رأى أن على المؤسسات الثقافية العراقية ان تمارس ضغطا احتجاجيا وإعلاميا على المسؤول كي ينتبه لخطورة ما يطال الحياة الثقافية في البلاد بسبب اهمال الدولة لصناعة الكتاب وغياب دعمه بل على المؤسسات المعنية ان تسعى لإحصاء ما يطبع من الكتب في الخارج فضلا عما تطبعه المؤسسات التابعة للدولة في دور النشر العربية واحتساب الكلف التقريبية لما تصرفه النخب المثقفة ودوائر الدولة ذاتها ليعرف المسؤول كمية الاموال التي يمكن للبلاد ان تحفظها بالاضافة الى ما يمكن ان تحدثه هذه الدور من مجال لتشغيل الايدي العاملة ودعم سوق الكتاب وتحفيز المبدع العراقي على بذل المزيد وعن ترجمة الكتاب العراقي قال البناي : أجد من الغريب جدا ان لا تفكر الدولة بوجود دار نشر وتوزيع مهمة معنية بترجمة الكتاب العراقي وتصديره الى الخارج واختيار ما يمكن ترجمته من الكتب العالمية ونشره وتصديره ايضا فمثل هذه الدار يمكن ان تكون رابحة فضلا عن اهميتها الثقافية والعلمية والابداعية.