ازدواجية الشخصية العراقية وتعاملها مع الكذب

ازدواجية الشخصية العراقية وتعاملها مع الكذب
آخر تحديث:

بقلم:محمود المفرجي

لا يشك احد بان اكثر شعب بالتاريخ يستقبل الكذب من قياداته ويصدقه رغم علمه بانه كذب مثل الشعب العراقي. ولو أحصينا هذا الكذب بعد عام ٢٠٠٣ ولحد الان لكنا احتجنا الى مجلدات كاملة لا تكفي الف صفحة لكل مجلد.

لكن يبدو ان هذه الصفة العراقية المؤسفة لم تأتي من فراغ، إنما من تراكم ثقافي اجتماعي متأصل منذ سنوات طويلة بفعل المخاضات التي مرت على الشخصية العراقية تاريخيا، وخاصة في الفترة اللعينة التي حكم بها صدام وبعثه المقبور والتي أضعفت هذه الشخصية لشعورها المستمر بالخوف من البطش وانغلاق الجدران في السجون المظلمة، رغم وجود من قاوم هذا النظام على قلة عدده.

هناك عدة عوامل تجعل العراقي يصدق كذب الكاذبين:

الاول- هو الخوف الذي يعد العامل الاول الذي يجبر العراقي البسيط على تصديق من يكذب عليه، فيمكن للعراقي ان يعلم جيدا ان الشخصية الفلانية فاشلة وان وعودها بالمشاريع والازدهار هو كذب ، ويعلم ان الشخصية الاخرى هي التي سرقته وبددت خيراته، ويعلم الاخرى هي شخصية اقل ما يقال عنها انها تابعة، لكنه بنفس الوقت لا تستغرب ان يدافع هذا العراقي عن هذه الشخصيات خوفا من بطش الاتباع او من الانتقام باستخدام القرب من الدولة.

الثاني- هو فقدان الاستقلالية في الشخصية العراقية، فنادرا ما ترى عراقيا مستقلا بآرائه، واذا صدق عليه صفة الاستقلالية فلابد له ان يميل الى جهة معينة، فهناك من يحب الشخصيات الى درجة العبادة بحيث هي تفكر وتقرر عنه، ويعتبر ان كل ما يصدر من الشخصية التي يحبها هي بمثابة (قرآن) بالنسبة له لا يمكن تحريفه او انتقاده، وهي تفكر وتقرر عنه، بل ان انتقادها قد يدفع هذا المحب الى استخدام العنف ضد من ينتقد، وبالنتيجة لابد للعراقي ان يسلم ويسكت عن الكذب شاء ام ابى.

الثالث- المنهجية التي استعملتها بعض الأحزاب بتغييب العقلية العراقية وتأطيرها باطار معين يخدم اجندة هذه الأحزاب، وهذه المنهجية ليست مجرد ثقافة يتم الترويج لها عبر الوسائل المتاحة لها، إنما ممارسة أتت نتائجها من مجموعة ممارسات اخرى مثل تغييب الطاقات والكفاءات العراقية القادرة على كشف الكذب وتشخيصه بصورة دقيقة.

الرابع- وسائل الاعلام التابعة التي تروج لهذا الكذب وتعظم من الشخصية التي يصدر منها الكذب، وهذا سببه حاجة وسائل الاعلام للدعم المالي (وخاصة في الفترة الحالية التي تشهد عجز مالي لمعظم وسائل الاعلام).

ولا ننسى الاعلاميين المشهورين الذين يقدمون برامج معروفة بأسلوب مستقل، لكنهم لا يخفون انتمائهم او حبهم او قربهم لهذه الشخصية او تلك.

الخامس- الصراع الايديولوجي الأزلي بين الإسلاميين والليبراليين ، الذي يشجع العراقي على تصديق الكذب، فالذي يميل للإسلامي يقاتل من اجل إقناع الليبرالي بهذا الكذب لإثبات وجهة نظره، وبالعكس.

السادس- حب الشخصية العراقية للجدل والمناقشة بكل شيء حتى في المسائل التي لا يفهم بها من اجل إثبات انه بفهم بها ، لهذا لا تستغرب ان يكذب من اجل إثبات هذا الامر .

ربما هذه ليست كل العوامل لكنها الابرز من وجهة نظري المتواضعة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *