بغداد/شبكة أخبار العراق- على الرغم من مضي أكثر من أسبوعين على تعهّد رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، بإغلاق ما يعرف بـ”المكاتب الاقتصادية” في مدينة الموصل، التابعة لفصائل مسلحة ضمن مليشيات “الحشد الشعبي” تمارس من خلالها عمليات فرض رسوم وجباية أموال على أصحاب المتاجر والمطاعم والشركات وسيارات النقل العام، بحسب ما أعلنه بنفسه خلال مؤتمر صحافي سابق، إلا أنّ هذه المكاتب ما زالت تعمل لغاية الآن وبوتيرة متصاعدة، بحسب مسؤولين محليين في المدينة وأعضاء برلمان في بغداد. عن صدور تقارير للجيش العراقي تؤكّد أنّ عدداً من الهجمات بواسطة القنابل والعبوات الناسفة والتي استهدفت مطعماً وثلاثة متاجر ومقر شركة شحن بضائع في الموصل ومدن مجاورة لها خلال الأيام الماضية، تشترك جميعها في كون أصحابها رفضوا إعطاء “رسوم مالية” لفصائل مسلحة تمتلك ما يعرف بالمكاتب الاقتصادية في المدينة، فيما تستبعد التقارير ذاتها وقوف تنظيم “داعش” وراء تلك الهجمات. لكن الأخطر برأي الكثير من العراقيين، هو ما تشكله هذه “المكاتب” من أداة رصد مستمر لمصلحة إيران، عبر مليشيات طائفية تابعة لها مباشرة، بحجة البقاء لمنع عودة تنظيم “داعش”، بينما يعتبر كثيرون أن التوترات المذهبية التي تخلقها هذه المليشيات، عامل أساسي في إبقاء خطر ولادة “داعش جديد” أو عودة “داعش القديم”.
والمكاتب الاقتصادية تلك هي عبارة عن مقرات لفصائل مسلحة يتجاوز عددها العشرين مقراً، وتنتشر في مناطق مختلفة من الموصل، وهي بطبيعة الحال تختلف عن المقرات أو الثكنات العسكرية لهذه المليشيات والتي توجد أيضاً داخل المدينة وتتخذ من منازل مواطنين مقرات لها.وتتنافس تلك المكاتب في ما بينها على جباية الأموال من خلال فرض رسوم على المطاعم والمتاجر والشركات وحتى سيارات النقل العام وشاحنات توصيل البضائع، وكذلك بيع المشتقات النفطية في المحافظة. وقد وصل الأمر إلى حدّ فرض رسوم على بعض المنظمات الإنسانية التي تمارس أنشطة مختلفة لمساعدة السكان عبر تخصيص جزء من المساعدات العينية لتلك المكاتب أو منحها أموالاً لقاء تسهيل تحركها في الموصل. من أبرز المكاتب الاقتصادية العاملة في الموصل اليوم هي المكاتب التابعة لمليشيات “العصائب” و”بدر” و”النجباء” و”الخراساني” و”حزب الله” و”كتائب الإمام علي”.
وفي السياق، قال مسؤول محلي في ديوان محافظة نينوى، إنّ تلك المكاتب “بمثابة مقرّات جباية أموال وجمع معلومات استخبارية، وهي تفرض هيمنة واسعة في مدينة الموصل، وباشرت أيضاً أنشطة اجتماعية ودينية”، متهماً محافظ الموصل الحالي، نوفل العاكوب، بالتواطؤ مع تلك المليشيات، وهو ما اعتبره “سر عدم إقالته حتى الآن، رغم ارتكابه مخالفات قانونية وإدارية وتكرار الشكاوى ضده من قبل أعضاء مجلس المحافظة”.وأكّد المسؤول أنّ تلك المكاتب “متورّطة بعمليات بيع قطع أرض وبساتين تعود لعائلات متورطين مع تنظيم داعش أو مسيحيين غادروا العراق نهائياً”، كاشفاً عن أنّ التفجير الذي استهدف مطعم “أبو ليلى” الشهير وسط الموصل الشهر الماضي، “تؤكد تقارير الجيش أنّه ليس هجوماً إرهابياً، بل جاء بعد يوم من تهديد لصاحب المطعم الذي رفض إعطاء مبلغ 3 ملايين دينار شهرياً (2500 دولار أميركي) لأحد المكاتب الاقتصادية، كونه دفع قبل ذلك مبلغاً مماثلاً لمكتب آخر”.
ونهاية الشهر الماضي، وعد عبد المهدي خلال مؤتمر صحافي بإغلاق ما يعرف بالمكاتب الاقتصادية، وقال، على هامش لقاء له مع نواب وممثلين عن الموصل، أنه تمّ التوجيه بإغلاق تلك المكاتب حفاظاً على الأمن العام في محافظة نينوى.بدوره، قال النائب المستقلّ عن نينوى، قصي الشبكي، إنّ “أجواء الاجتماع كانت إيجابية”، مبيناً في تصريحات أدلى بها عقب اللقاء، أنّ عبد المهدي تلقّى طلباً من المرجعية الدينية في النجف بالتحقيق في أوضاع الموصل، وهو ما ذكره عبد المهدي في الاجتماع. كذلك، أكد الشبكي أنّ رئيس الوزراء وعد بإغلاق المكاتب الاقتصادية التابعة لأحزاب وفصائل مسلحة في المحافظة، والتحقيق في انتشار الفساد، خصوصاً في بعض الأجهزة الأمنية العاملة هناك، بحسب تصريحات له نقلتها وسائل إعلام عراقية محلية.
وأخيراً، قال مسؤولون في نينوى إنّ تلك المكاتب بدأت تبيع أراضي مملوكة للدولة إلى المواطنين، بأسعار تصل للقطعة الواحدة إلى 70 مليون دينار، بالإضافة إلى احتكار المزادات. كما قال هؤلاء إنّ التصريح الأمني لدخول السكان إلى المدن أو الانخراط في الأجهزة الأمنية، صار له ثمن معيّن لدى بعض الأجهزة الأمنية.إلى ذلك، قال النائب عن الموصل، عبد الرحيم الشمري، في حديث صحفي، إنّ “التقرير الذي قُدّم من قائد عمليات الجيش في نينوى، كشف عن أنّ هذه المكاتب الاقتصادية تابعة لأحزاب سياسية، وعملها يشمل دخول المزادات وفرض الإتاوات، وتوزيع الأراضي بين أعضائها، عن طريق الدوائر، بالقوة”. وأكد الشمري “اتفقنا مع رئيس الحكومة على إغلاق هذه المكاتب، سواء كانت منظمات أو مكاتب أو جهات سياسية”، مشيراً إلى أنّ قائد العمليات “قدّم أدلة على الأعمال التي تقوم بها تلك المكاتب، وأن تفجيرات عدة حصلت، ترتبط بها، ولم تكن من قبل داعش”.
وحذّر النائب السابق عن محافظة نينوى، محمد نوري العبد ربه، من “عودة عسكرة المجتمع في الموصل مرة أخرى”، داعياً لأن “تكون هناك شرطة محلية لتمسك بزمام الأمور الأمنية داخل المحافظة”. وشدد، في حديث صحفي، على “ضرورة أن تكون القطعات العسكرية، وحتى الجيش، خارج مدينة الموصل، حيث له اختصاصات خارج المدن”، بحسب تعبيره، مؤكداً “لدينا حشود كثيرة ولها مقرات خاصة، وقسم من هذه المقرات اقتصادية، وبدأت تتدخل في كل كبيرة وصغيرة من الناحية الاقتصادية، كالمزايدات والسيطرة على الأراضي، وهذا انعكس سلباً على المحافظة وأمنها وأمن المواطن”.ودعا العبد ربه رئيس الحكومة إلى “غلق كل هذه المكاتب وبأسرع وقت، وألا يسمح بأن يفتح أي مكتب لأحزاب أخرى للحصول على المكاسب المادية”، مؤكداً أنّ “الدولة هي المسؤولة عن اقتصاد المحافظات، وليس الجهات السياسية والأحزاب والحشود النافذة التي فتحت مكاتب اقتصادية، وبدأت بالتعامل على أساس الجباية، وكسب المال من المشاريع والمحال التجارية”. وشدد على أنّ “تلك النشاطات جعلت من الموصل وكأنّها بورصة للتعامل الاقتصادي في عمليات البيع والشراء، ما يستدعي إجراءات سريعة للحد من هذه الظاهرة”.
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب نايف الشمري، في حديث صحفي ، “طالبنا رئيس الحكومة بغلق المكاتب كافة في نينوى، وأن يكون الأمن تحت سيطرة قيادة العمليات بعد تعزيزها من أبناء المحافظة، عبر إعادة المنتسبين المفصولين”، مؤكداً “استحقاق نينوى أكثر من 30000 شرطي”.وتابع: “حصلنا على وعود من رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، باتخاذ الإجراءات كافة التي تحفظ أمن نينوى، فنحن نريد غلق هذه المكاتب حتى لا يتم التجاوز على أهالي المحافظة، وحتى لا يتم التجاوز على الممتلكات”، مضيفاً: “كما طالبنا عبد المهدي بإيقاف تخصيص الأراضي السكنية، لأنّ هناك فاسدين كباراً بدأوا يستولون على الأراضي في المحافظة”. وشدد الشمري على “ضرورة وضع آلية وضوابط وشروط لتوزيع الأراضي، وأن لا تخصص هذه الأراضي للشهداء”. يشار إلى أنّ “الحشد” لم يخرج من الموصل على الرغم من انتهاء تحريرها منذ أكثر من عام ونصف العام.