القليل منا من يقرأ اليوم في كتب السينما، تلك التي تعني بفلسفة السينما وآلية اشتغالها، أو تلك التي تنظر للعلاقة بين السينما والحداثة وما بعد الحداثة، فنحن كنا غارقين في السينما مشاهدة وتتبعا لأنواع أفلامها ومدارسها وما يكتب عنها، وكيفية صناعة وكتابة السيناريو، وقد وفرت لنا الثقافة المصرية أرضية خصبة عن السينما: مجلاتٍ، وتحليلاتٍ، وقصائد بصرية، وطريقة حوارية، وبنية المشهد، واهمية القطة الصغيرة والكبيرة. شخصيا كنت احتفظ بعدد مهم من الكتب النقدية عن الافلام والمخرجين وعن كيفية كتابة السيناريو، وكانت في ثقافتنا الفنية زاوية مهمة في السبعينيات والثمانينيات ، هي كيف نكتب السيناريو؟
اليوم نحن افقر من الكلمة، لا سينما نشاهدها، ولا مجلة نقرأ فيها، ولا كتابة عنها ولا مشاهدات للافلام الحديثة حتى في الفضائيات، بل هيمنت على مشاهداتنا الأفلام المرعبة والحربية، واسست قاعدة قويةعند الأجيال الشابة، تتحدث عن تنوع طرائق العنف، والثار، والاقتصاص، والتحايل، والموت واللعب. ليست كتابتي دعوة لفتح دور السينما، فقد أغلقت هذه النافذة بوعي من السلطات السياسية، وكأنها تشجع العنف عندما لا نرى افلامًا عن الحب والعمل والإنسانية، ما يحدث شيء مقصود، ولكن لا يوجد تعويض لما نفتقد. ساتحدث عن ثلاثة أشياء، تتعلق بالعلاقة بين السينما والأدب، وهو حقل ملأته الدراسات بآلاف الكتب والرؤى والاجتهادات، الأشياء الثلاثة التي اقضت ذاكرتي وانا اتأمل العالم وكيف يوظف السينما للادب، والأدب للسينما، ويستخلص من الاندماج فنونا وممارسات لا حد لأهميتها.
الحديث الأول، هو التربية العاطفية لنا، والعاطفة التي اعنيها انتاج مشترك بين السينما والرواية، ويقول ادموند مايني” أن الرواية والسينما يبحثان منهجًا كل ما يسعه أن يعضد الإنصهار العاطفي بين الشخصية والجمهور” ص 260 اللغة السينمائية. استوقفتني المفردتان”الشخصة والجمهور” المعني بالشخصية التي يجسدها الممثل، والمعتي بالجمهور الذي يشاهد الفلم. على المستوى العاطفي سيرى الجمهور في سجايا الشخصية وأفعالها نموذجًا للقبول أو الرفض، يعني ثمة تربية عاطفية تنشئها المشاهدة، وغالبا ما تكون هذه العاطفة اغنى بكثير من تعاليم الابوين، والمعلمين، لأنها تخاطب العقل بطريقة جمالية لا تعتمد الألفاظ بل السلوك، وهو ما يرسم نموذجًا للمشاهد لأن يرى نفسه، من خلال ما يتجسد أمامه، هذه النقطة وقد حرمت اجيال واسعة من تلمس نتائجها غير التعلمية، لم تعوضها لا المدرسة ولا الكتابة الابداعية، وبالضرورة ان هذه العاطفة لا تؤلفها السينما وحدها بمعزل عن الرواية ، ولا الرواية بمعزل عن السينما.
الحديث الثاني، هويخص اللقطة مفهوما شعريا، هناك، وكما يعرف المشتغلون بالسينما، نوعان أساسيا للقطة، لقطة كبيرة، تعني تسليط الكاميرا على جزئية من الشخصية كالوجه او اليد لتبرزها بلقطة تفصيلية تكشف فيها عن حركيتها في لحظة معينة، وهناك لقطة صغيرة تكون لمجموعة من الاشياء دون تفاصيلها، هاتان الطريقتان، شعريتان، استلمتهما السينما من الشعرية، ثمة كلمة أو صورة بؤرية تولد عشرات الصور والافعال، يسلط الشاعر عليها رؤيته التكوينية فيكشف فيها لغات وكلمات عديدة، خذ مثلا كلمة “العبارة” التي كثيرًا ما تريد في الشعر والصوفية والألسنية، فهي مأوى، ومخزن، وكهف، وبيت، ومغارة، ومحارة، ورحم، وكل ما هو ملتف على معنى، وخذ كلمة شارع، فهو طريق وسابلة، وممر، ومجرى، وشرعة، وكل ما من شأنه أن يدل على الخارج. هاتان الكلمتان الشعريتان، هما ما تعنية اللقطة الكبيرة لجزئية تختزن لغات في باطنها، بينما اللقطة الصغيرة العامة تخرج إلى الخارج دون أن يستقر باطنها على شيء خاص بها.
الحديث الثالث، امكنةالسينما ودلالتها العلاقية مع المدينة والناسن وبالرغم من ان هذا يشكل جزءا من فضاء المدينة إلا انه الجزء الذي يحركها باستمرار،فالمدينة بلا لغة مكانية متحركة لا يأمها الناس بل تصبح اقبية جاهزة لاستلام وتوديع الموتى.