بالرغم من ان الحراك الجماهيري الاخير جاء من اجل الضغط على السلطة السياسية في العراق لمعالجة الازمات السياسية المتفاقمة في الجوانب الامنية والاقتصادية والخدمية وخصوصا ازمة البطالة التي بدأت تقسو على المواطن العراقي والشباب على نحو خاص، الا ان هذا الحراك تحول الى المطالبة باستقالة حكومة عادل عبد المهدي بالرغم من ان الحكومة الحالية لا تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الازمات لأنها تعتبر ازمات تراكمية افرزتها السياسة الخاطئة في ادارة الدولة( وكما صرح به مكتب الامم المتحدة في العراق ) واعتماد مبدأ المحاصصة الحزبية ( والتي تسمى بالخطأ بالمحاصصة الطائفية ).
وبالرغم من ان هذه الاستقالة اربكت المشهد العراقي لعجز الحكومة عن تقديم البديل المناسب، وغياب الاتفاق بين المتظاهرين على مرشح لرئاسة الحكومة خصوصا بعد تنامي الشعور بسيطرة بعض الجهات السياسية على ساحات التظاهر وخصوصا في بغداد. اضافة الى تصاعد وتيرة العنف في عدد من المحافظات العراقية وخصوصا جريمة ساحة الوثبة، الا ان هذا لم يمنع من تحقيق جملة من المطالب الشعبية التي نادى بها المتظاهرون ولعل ابرزها قانون الجديد بصيغته المعدلة والتي نصت على اعتماد الدوائر الانتخابية المتعددة والصغيرة ( كل قضاء دائرة انتخابية )، واعتماد نظام الترشيح الفردي بعيدا عن هيمنة القوائم الحزبية الكبيرة ، اضافة الى التصويت على مجلس المفوضين الجديد. ولكن هل هذا يكفي لتحقيق الاصلاح في الواقع السياسي ام لا؟
يمكن القول بان عملية الاصلاح تقوم على اساسين مهمين الاول تشريعي يتم تأمينه من خلال تشريع مجلس النواب العراقي لقانون الانتخابات الذي يضمن العدالة لجميع المرشحين ، والثاني تنفيذي يتوقف على مدى المشاركة السياسية من قبل الناخبين، وان عملية اقرار قانون الانتخابات، وتغيير اعضاء مفوضية الانتخابات يمثلان قمة الانجاز والتامين للأساس الاول، واما ما يتعلق بالأساس الثاني فانه مايزال محفوفا بالمخاطر والذي يمكن ان يجهز على طموح الحراك الجماهيري وضياع المنجز التشريعي. ومن ثم كان لابد من العمل على رسم انتقال الحراك الجماهيري من مسار التظاهرات الى مسار تنظيم الصفوف (كما قالت المرجعية الدينية ) اذ من خلال هذا التنظيم وهيكلة النخب المستقلة في ضمن كيانات تعمل على المنافسة على مقاعد البرلمان، بمعنى ان عملية تشريع قانون الانتخابات، واستبدال مفوضية الانتخابات يشكل فرصة كبيرة امام هذه النخب والكفاءات للتصدي لعملية التنافس على مقاعد البرلمان وتضييق دائرة المنافسة على الاحزاب والكيانات السياسية وايضا من الامور الاخرى التي ستعمل على تحقيق المنجز للحراك الجماهيري هو الوعي السياسي الجماهيري والذي سيساهم في تحصين توجهات الناخب العراقي عن الانتماءات الحزبية والطائفية والاثنية.
اذا الواقع الانتخابي الجديد فرض على الحراك الجماهيري الارتقاء بالأداء السياسي الديمقراطي والعمل على تحفيز النخب والكفاءات الموثوق بها من اجل ولوج المعترك السياسي وفاء لدماء المتظاهرين التي سقطت في ساحات الحراك، اضافة الى العمل على وضع البرامج والخطط اللازمة من اجل رفع مستوى الوعي السياسي لدى الناخبين لضمان المشاركة الواعية.