عن معامل الطابوق وعمل الأحداث والرئيس الراحل أحمد حسن البكر

عن معامل الطابوق وعمل الأحداث والرئيس الراحل أحمد حسن البكر
آخر تحديث:

بقلم: ليث الحمداني

أعادني التقرير الذي نشرته صحيفة “العرب” يوم السابع والعشرين من فبراير 2022 تحت عنوان “لماذا نتعلم، أحمل الطوب شعار عراقي يتمدد”، و”الطوب” هنا هو “طابوق البناء” بلهجتنا العراقية، سنوات بعيدة إلى الوراء.

في بداية السبعينات كان الرئيس الراحل أحمد حسن البكر عائدا عصر أحد الأيام من تكريت، وشاهد سحب الدخان التي تغطي مدخل مدينة بغداد قرب التاجي تنبعث من مداخن معامل الطابوق البدائية، وبعضها لا يبعد عن الشارع سوى أمتار، وبإمكان الشخص الذي يمر من الشارع أن يرى هذه المعامل. طلب من سائقه أن يدخل باتجاه المعامل.

ترجل الرئيس من السيارة ونادى بعض الأحداث الذين كانوا ينقلون الطين المقطع إلى الفرن على الدواب. أسرعوا نحوه، وغالبا لم يكونوا يعرفون شخصيته، سألهم عن العمل وساعاته وظروفه ومكان سكناهم فأخبروه أن بيوتهم الطينية بين المعامل وأنهم يعملون مع أسرهم. هكذا كانت طبيعة العمل في معامل الطابوق.

عاد الرجل إلى سيارته. وفي اليوم التالي استدعى وزير العمل والشؤون الاجتماعية أنور عبدالقادر، على ما أذكر، وسأله عن قوانين العمل، وشرح له الظروف التي شهدها وعمل الأحداث في معامل الطابوق، وطلب منه دراسة أوضاع العمل فيها وقيام وزارته بمراجعة قوانين الضمان الاجتماعي وقضية عمل الأحداث.

في اليوم التالي استدعى صهره (زوج ابنته) حاتم عبدالرشيد، وكان يومها نائبا لرئيس اتحاد الصناعات العراقي وطلب منه أن يقوم الاتحاد بدراسة أوضاع معامل الطابوق، والتلوث الذي تسببه في مدخل العاصمة. وفعلا شكل اتحاد الصناعات لجنة فنية برئاسة المهندس يوسف حسن مهدي (المقيم حاليا في دولة الإمارات العربية) حيث جرت دراسة واقع المعامل وخرجت بتوصيات لمعالجة ذلك الواقع، وأرسلت التوصيات إلى وزارة الصناعة والمعادن التي فاتحت الرئاسة، وجرت الموافقة على التوصيات التي تم بموجبها تحديث عدة مراحل في هذه الصناعة وأولها عملية الحرق حيث أدخلت المحارق الميكانيكية وأدخلت أجهزة القطع والأحزمة الناقلة لتكون بديلا لعملية نقل الطابوق إلى الفرن بالعربات التي تجرها الحيوانات.

أبعد من ذلك، قدم الاتحاد دراسة تفصيلية لإقامة مجمعات للصناعات الملوثة خارج المدينة، وتبنت وزارة الصناعة الفكرة وأعدت دراسة شاملة لإنشاء مجمع النهروان الذي تقرر أن يضم معامل الطابوق ومعامل دباغة الجلود البدائية (الدبخانات) التي كانت تنتشر في منطقة الشيخ عمر وتسبب أذى لسكان المنطقة بسبب الروائح التي تنبعث منها. ووافقت الرئاسة على تفاصيل الدراسة الأخرى ومنها إنشاء محطة لتصفية المياه وشبكة مجاري حديثة وقاعدة من الطرق داخل وخارج المجمع، بل إن الوزارة استحدثت لاحقا مديرية خاصة بالمجمعات الصناعية تأخذ على عاتقها متابعة تطوير المجمعات الصناعية والتوسع فيها مستقبلا، وبموجب ذلك ألغيت معامل الطابوق القديمة وأوقف العمل بها، وكنت شاهدا على هذه الأحداث بحكم عملي في مجلة “الصناعة”.

بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003 والفوضى التي سادت الحياة أعيد بناء المعامل القديمة وبواقعها المر وعاد استغلال الأحداث والأسر الفقيرة للعمل فيها دون أي محددات قانونية.

في العالم المتقدم حين يتغير النظام، أي نظام، فإن النظام الجديد يواصل البناء على ما كان قد تم بناؤه سابقا.في العراق كل شيء عاد إلى الصفر.

رحم الله الرئيس البكر ومن رحل ممن أسهموا في العمل والبناء ومدّ الله في عمر الباقين منهم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *