توصف الدولة الهشة بكونها الأضعف على مواجهة الصدمات والأزمات الأقتصادية أو الكوارث الطبيعية ، وفق هذا التوصيف ، يعد العراق وبعد عشرين سنة من غياب مشاريع تنمية الدولة قد بلغ مرحلة الدولة الهشة ، وإذا تجاوزنا الاسباب المعروفة التي أوصلت العراق لهذا المستوى من الإنحدار ، فأن أبرز الصفات لهشاشة الدولة العراقية تتمثل بعدم قدرته على توفر مستشفيات لاستقبال جرحى حريق ” قاعة الهيثم ” تلك الصدمة الاجتماعية ، والحديث عن الموصل ثاني اكبر مدينة في العراق . ولعله الحريق الثالث أو الرابع الذي يقضي على حياة المئات بسبب انتشار مباني هشة قابلة للاشتعال لاتخضع لشروط حماية الإنسان والسلامة العامة، دون قدرة الدولة على إيقاف هذا الاستهتار بأرواح العراقيين .
من سمات الدولة الهشة أيضا ً انتشار المخدرات وتجارة الأعضاء البشرية وتغول الفساد وانتشار السلاح خارج نطاق الدولة ، إضافة لسيطرة مافيات المال وتهريب العملة وإعفاء النخب الحاكمة من حكم القانون ، وهو ماينطبق تماما على الواقع العراقي الذي صار يتنامى بالفساد منذ 2003 حتى بلغ ذروته أن تهدر حدود البلاد وسيادته وتنهب ثرواته الطبيعية من أراضي أو ثروة نفطية أو حدود مائية أو برية ، وصولا لسرقات مليارية لافراد يشكلون واجهات اجتماعية لمنظومات سياسية -مليشياوية تتحكم بعدادات الدولة العميقة التي أنجزت هشاشة الدولة العراقية بزمن قياسي .
المشكلة تتعاظم وفق منظور اقتصادي يترجم واقعا ً استثنائيا ً في العالم، بمعنى دولة تقوم على نظام ريعي يتمثل ببيع النفط وتوزيع ايراداته معاشات لنحو عشرة ملايين موظف بالدولة !؟ ومايتبقي يذهب لمشاريع وهمية ويسرق بعناوين متعددة، واعتماد الدولة على ماتستورد من احتياجات العيش الغذائية والصناعية والانشائية وغيرها، بعد توقف متواصل وشبه تام للصناعة والزراعة ، وتتركز المأساة إذا اشرنا الى عجز الدولة عن استثمار حتى مصادر الطاقة الوفيرة كالنفط والغاز والعراق ثاني دول أوبك بعد السعودية في كميات الانتاج والتصدير اليومي رذ يبلغ نحو 4 مليون برميل يوميا ، ناهيك عن مياه الأنهار التي بدأت تنحسر وتنخفض مستوياتها ، والمفارقة الأكبر أن العراق يستورد الطاقة من ايران مثل الغاز والكهرباء بمبالغ تربو على 4 مليار دولار سنويا ً .
السؤال الذي يلازم كل باحث في الاقتصاد العراقي : ماذا بعد انخفاض اسعار النفط ، بسياق توجه العالم المتقدم صناعيا بانتاج بدائل تتمثل بالطاقة النظيفة ،وتجاوز الوقود الاحفوري ؟
حقائق أعتقد أنها مكشوفة لدى بعض أصحاب السلطات المتحكمة والمسؤولة عن واقع الدولة الهشة ، وما ذكرناه يشكل موجزا مكثفا لظاهرة الهشاشة وهي تكشف قابلية الدولة على الإنهيار ازاء أية صدمة خارجية أو احتلال كما في ( غزو داعش لثلث اراضي العراق 2014 ) ، وافلاس خزينة الدولة عند هبوط اسعار النفط عام 2020 .
هل يمكن معالجة الأمور ونحن بهذه الدرجة من السوء ؟ الجواب نعم إذا توفرت الإرادة الوطنية في تنمية الدولة وأبعاد الفاسدين عن زمام الأمور ، والعمل بخطط تتجاوز الروتين الإداري باختصار الزمن وتكريس المخزون المالي والواردات الجيدة في تطوير البنية التحتية الصناعية والزراعية والاستثمارية من خلال التعاقد التنموي مع شركات يابانية وامريكية وبريطانية وكورية معروفة بقوة عملها ونزاهتها والتزاماتها القانونية ، وغلق منافذ الفساد واعتماد مبادئ الخصخصة ونظام مصرفي رصين، وانزال أقسى العقوبات بمافيات التهريب والمخدرات، وكذلك عزل الأحزاب عن دور السلطة وامتلاك وزارات الدولة والمؤسسات الأمنية والعسكرية ، وإحكام سلطة القانون وثقافة المواطنة والعدالة بين الجميع .