الفلسطيني في غربة سؤاله المصيري

الفلسطيني في غربة سؤاله المصيري
آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف

منذ عهد بلفور (1917) والغرب مجمع على حرمان الفلسطينيين من وطنهم واعتبار مَن يبقى منهم على أرضه أقلية بتوصية بمراعاة مصالحها والحفاظ عليها من الاندثار. ذلك ما لم يفرضه اليهود بالسلاح.قبلهم كان الغرب نظريا قد مهّد لعملية طمس الهوية الفلسطينية ومحوها وإزالة اسم فلسطين من خرائط العالم. ولو شئنا الحقيقة فإن دولتين تقعان خارج المعسكر الغربي، بل وتعاديانه عقائديا هما روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) والصين لم تطالبا بإعادته إلى تلك الخرائط الرسمية، كونه لا يشير إلى واقع سياسي متحقق. غير أن ذلك وإن انطوى على الكثير من الخذلان لم يحبط عزيمة الشعب الفلسطيني ولم يحوّله إلى مالك سابق للأرض. بل ما حدث هو العكس تماما.

وإذا ما كانت تلك الوقائع السياسية الدولية قد عملت على تذويب الشعب الفلسطيني عبر أكثر سنة من التشريد والضياع والإقامة “خارج المكان” الطبيعي فإن مقاومته كانت مصدر معجزته.ولأن العرب قد اعتبروا فلسطين قضيتهم المركزية وحاربوا من أجل استعادتها وعملوا في المحافل الدولية من أجل التذكير بها ووضعها على جدول أعمال كل المؤتمرات الدولية فقد وجد الفلسطينيون سندا صادقا ومخلصا لهم عبّر عن أخوّته العميقة من خلال دعمهم ماديا وتقويتهم وإمدادهم بكل أسباب العيش الكريم، كل دولة حسب قدرتها.أما حين ظهرت التنظيمات الفلسطينية المسلحة أواسط ستينات القرن الماضي فإن غير دولة عربية قد أمدّتها بالمال والسلاح من غير أن تتدخل في شؤونها والكويت مثل بارز على ذلك، إضافة إلى الدول التي كانت لها أجنداتها الخاصة.

وفي كل الأحوال فقد وقف الفلسطينيون ضد إرادة العالم “الحر” وأجبروه بقواهم الذاتية التي هي لا شيء بالمقارنة بقوته على الاعتراف بوجودهم. أما حين وقف ياسر عرفات على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة فإنه صنع من كوفيته رمزا للحرية.ليست حرية الفلسطينيين وحدهم، بل وحرية جميع الشعوب المحرومة والمضطهدة والمطالبة بولادة عالم أكثر عدلا وأقل ظلما. ولكن حتى عرفات كان قد وقع في فخ إضاعة الوقت والتسويف والرغبة الغربية في عدم الاعتراف بولادة دولة فلسطين وذلك تحاشيا لما يمكن أن يشكل إخلالا بوعد بلفور.

لم تعد فلسطين إلى الخرائط الدولية الرسمية حتى ولو كانت على الأرض المجزأة التي صارت من حصة السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو.لم يتخل العرب عن فلسطين ولا عن الفلسطينيين. لكن الزلازل التي ضربتهم في الألفية الثالثة لم تعد تسمح لهم بالنظر إلى ما يقع من حولهم. لقد غرقت كل دولة بمشكلاتها المصيرية. فبعد انهيار العراق المأساوي عام 2003 بفعل الغزو الأميركي صارت كل الدول العربية، سواء تلك التي عصفت بها رياح “الربيع العربي” أو لم تعصف بها، مسكونة بالخوف مما يخبئه المستقبل لها. وهو مستقبل كان جزء منه من صناعة غربية.

لم يكن الأميركان قد غزوا العراق وحدهم. ولم يقصفوا ليبيا وحدهم. ولم يتدخلوا في شؤون سوريا وحدهم. ولم يكونوا وحدهم حين وقفوا وراء الاضطراب الذي شهدته غير دولة عربية. كان الغرب كله معهم. لا يزال الغرب معهم. ذلك ما أثبتته حرب غزة الأخيرة.يشعر الغرب بالأسف لأن بنيامين نتنياهو قبل بالهدنة المؤقتة. ألأنه تورط في موقف لا أخلاقي أم لأنه يرغب في استمرار مشروعه القائم على اعتبار الفلسطينيين مجرد أقلية لا ينبغي السماح لها بالمطالبة بالمزيد من الحقوق التي تقع خارج حق العيش في الحدود الدنيا؟

في مثل هذه الحالة يمكن أن يكون توجيه اللوم إلى العرب نوعا من تضييع الوقت في محاولة الانتقاص من دول، كان لها دور حقيقي في ما فعله الفلسطينيون على مستوى وضع فلسطين على خارطة وعي الرأي العام العالمي على الأقل.فمصر كانت ولا تزال حاضرة في المشهد الفلسطيني وكذلك لا يُنسى دور سوريا والعراق يوم لم يكن محتلا والأردن بالرغم من إمكانياته المحدودة، كما أن السعودية ودول الخليج قد وضعتا كل إمكاناتهما في خدمة القضية الفلسطينية.لقد حارب العرب من أجل فلسطين وقاوموا الغرب ودفعوا الثمن وهو ما لا يدركه الكثيرون ممَّن يوجّهون اللوم إلى العرب من غير أن يلتفتوا إلى حقيقة أن حركة حماس التي هي الطرف الفلسطيني في ما حدث لا تكترث بما يقوله العرب بقدر انشدادها عقائديا إلى إيران.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *