بعد جهود كبيرة بذلها العراق في المحافل الدولية منذ سقوط النظام الدكتاتوري وحتى الوقت الحاضر، استطاعاخيراًالخروج من طائلة العقوبات والإلتزامات المترتبة عليه بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (661) لسنة 1990 بعد غزوه الكويت طبقا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، لينتقل الىالفصل السادس.وتبرز هنا مجموعة من التساؤلاتحول هذا الموضوع، من أهمها: ماذا يعني الفصل السابع؟ وماهي الفوائد التي سيجنيها العراق من خروجه من طائلة التزامات هذا الفصل؟ وماذا يعني الانتقال الى الفصل السادس؟ وهل هناك سلبيات سترافق هذا الانتقال؟ وماهو أثر ذلك على الاقتصاد العراقي؟ بدايةً فان الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يتكون من (13) مادة من المادة (39) الى المادة (51)، وملخص هذه المواد هي ان مجلس الأمن يمكن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته ضد الدول التي تهدد السلام والأمن الدولي، وله أن يطلب إلى أعضاء “الأمم المتحدة” تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية وطرق المواصلات البحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.وإذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في أعلاه لا تفي بالغرض، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة”.إذن يتيح الفصل السابع استخدام القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية لثني الدول عن تهديد السلم الدولي، وهذا يضع الدولة الهدف في خانة (الدول المارقة المكبلة السيادة).أما الفصل السادس فيتكون من ستة مواد من المادة (33) الى المادة (38) وملخص هذه المواد أن مجلس الامن الدولي يستخدم طرق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.وبذلك يكون العراق، بأنتقاله من التزامات الفصل السابع الى السادس، قد تغيّر وضعه الدولي من دولة (مارقة) مكبلة السيادة الى دولة طبيعية ذات سيادة كاملة، وله الحق في ممارسة تلك السيادة بحرية كاملة، ولكن ماذا تعني السيادة sovereignty؟لابد من الإشارة إلى أن قيام الدولة المعاصرة بأركانها الثلاثة: الشعب، والإقليم، والسلطة السياسية، يترتب عليه تميزها بأمرين أساسيين؛ الأول: تمتعها بالشخصية القانونية الاعتبارية، والأمر الثاني: كون السلطة السياسية فيها ذات سيادة، ولأهمية السيادة في الدول فقد جعلها البعض الركن الثاني من أركان الدولة، ويستخدم مصطلح السيادة بصورتين مختلفتين -وإن ظلتا مترابطتين- وهما السيادة الداخلية والسيادة الخارجية، ففي حين تشير السيادة الداخلية إلى القوة أو السلطة العليا داخل الدولة ممثلة في الهيئة صانعة القرارات الملزمة لكافة المواطنين والجماعات والمؤسسات داخل حدود الدولة مثل “السيادة البرلمانية ” و”السيادة الشعبية Popular Sovereignty، فأن السيادة الخارجية ترتبط بوضع الدولة في النظام الدولي ومدى قدرتها على التصرف ككيان مستقل. والدولة ذات السيادةتستطيع تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في ضوء أنظمتها الداخلية، وحريتها في إدارة شئونها الخارجية، وتحديد علاقاتها بغيرها من الدول وحريتها بالتعاقد معها، وحقها في إعلان الحرب أو التزام الحياد، فالسيادة الخارجية إذن مرادفة للاستقلال السياسي, ومقتضاها عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لأية دولة أجنبية, والمساواة بين جميع الدول أصحاب السيادة، فتنظيم العلاقات الخارجية يكون على أساس من الاستقلال، وهي تعطي الدولة الحق في تمثيل الأمة والدخول باسمها في علاقات مع الأمم الأخرى، وتقف على قدم المساواة مع غيرها من الدول الاخرى، فعلى سبيل المثال وبعد حرب الخليج الثانية (1991) قرر مجلس الامن عد العراق مسؤولا عن جميع الخسائر والاضرار الناجمة عن غزو النظام السابق لدولة الكويت، ولتحديد حجم الضرر ومقدار التعويضات, تم تشكيل لجنة تابعة للامم المتحدة، وهيلجنة التعويضاتUnited Nations Compensation Commissionتاخذ على عاتقها قبول ودراسة واقرار دعاوي التعويض المقدمة من الشركات والافراد والحكومات, التي تدعي انها تضررت ( بشكل مباشر او غير مباشر ) من هذا الغزو، فلم يكن العراق ممثلا في هذه اللجنة، وكان يحق له الاطلاع فقط على القرارات التي تتخذها دون ان يكون له حق الاعتراض عليها، وهذا الامر كان طبيعياً حينها كون العراق يقع تحت طائلة التزامات الفصل السابع.إن انتقال العراق الى البند السادس يعني ازالة العقبات المترتبة على القرار الاممي رقم (661) لسنة 1990 وهي كالاتي:• منع استيراد أي من السلع والمنتجات التي يصدرها العراق.• منع أية أنشطة يقوم بها رعاياها أو تتم في أقاليمها ويكون من شأنها تعزيز، أو يقصد بها تعزيز، التصدير أو الشحن العابر لأية سلع أو منتجات من العراق، وأية تعاملات يقوم بها رعاياها أو السفن التي ترفع علمها أو تتم في أقاليمها بشأن أية سلع أو منتجات يكون مصدرها العراق، بما في ذلك على وجه الخصوص أي تحويل للأموال إلى العراق لأغراض القيام بهذه الأنشطة أو التعاملات.• منع أية عمليات بيع أو توريد يقوم بها رعاياها أو تتم من أقاليمها أو باستخدام السفن التي ترفع علمها لأية سلع أو منتجات، بما في ذلك الأسلحة أو أية معدات عسكرية أخرى، سواء كان منشؤها في أقاليمها أو لم يكن، ولا تشمل الإمدادات المخصصة بالتحديد للأغراض الطبية والمواد الغذائية المقدمة في ظروف إنسانية، إلى أي شخص أو هيئة في العراق أو إلى أي شخص أو هيئة لأغراض عمليات تجارية يضطلع بها في العراق أو منه، وأية أنشطة يقوم بها رعاياها أو تتم في أقاليمها ويكون من شأنها تعزيز، أو يقصد بها تعزيز، عمليات بيع أو توريد هذه السلع أو المنتجات.• يقرر أن تمتنع جميع الدول عن توفير أية أموال أو أية موارد مالية أو اقتصادية أخرى لحكومة العراق أو لأية مشاريع تجارية أو صناعية أو لأية مشاريع للمرافق العامة في العراق، وأن تمنع رعاياها وأي أشخاص داخل أقاليمها من إخراج أي أموال أو موارد من أقاليمها أو القيام، بأية طريقة أخرى، بتوفير الأموال والموارد لتلك الحكومة، أو لأي من مشاريعها، ومن تحويل أي أموال أخرى إلى أشخاص أو هيئات داخل العراق فيما عدا المدفوعات المخصصة بالتحديد للأغراض الطبية أو الإنسانية والمواد الغذائية المقدمة في الظروف الإنسانية. مع الاشارةالى انه ومنذ عام 1990 صدر (73) قراراً أممياً بحق العراق جميعها ضمن الفصل السابع، وأن خروج العراق من التزامات الفصل السابع يكون بمثابة الغاء طبيعي لكل تلك القرارات، فالان أضحت كل تلك القيود ملغية، فيمكنه اليوم على سبيل المثال، استيراد التكنولوجيا المتطورة التي من الممكن أن تخدم عمليات الإعماروإعادة ترميم الاقتصاد العراقي الذي عانى ما عاناه منذ عقود، وتحسين الخدمات وبخاصة قطاع الطاقة الكهربائية التي يعتمد بصورة كبيرة على التكنولوجيا المتطورة، بشرط توفر الإرادة السياسية لذلك، مع كبح جماح الفساد الإداري والمالي.لقدت صبغ الفصل السابع طبيعة الحياة الاقتصادية والسياسية في العراق حتى بعد سقوط النظام، إذ ظل العراق غير حراً في التصرف بعائدات النفط التي تشكل أكثر من 95% من مجمل عائداته، امتداداً للقرارين الأمميين(986) لعام 1995 (النفط مقابل الغذاء)،وإنشاءُ صندوق الأمم المتحدة للتعويضات، بموجب القرار (687)، لعام 1996،وهكذا، أتاحت هذه الآليةُ للأمين العام للأمم المتحدة، حصراً، التصرف بموارد حساب النفط العراقي المصدر بموجب المذكرة، بعد استقطاع ما لا يقل عن 30%، من كل برميل نفط عراقي مُصدر، يستوفى تعويضاً عن حرب الكويت، وقد حُدّد مبلغ التعويضات بحوالي 53 مليار دولار، فضلا عن استقطاع 4% أخرى، لسد نفقات فرق التفتيش الدولية، التي كانت تبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، فاستمرت هذه الألية حتى بعد سقوط النظام، مع بعض التغيرات الطفيفة، إذ أن قرار مجلس الأمن رقم (1483) لعام 2003، الذي أُنشئ بموجبه صندوق تنمية العراق(DFI)، تحت رقابة الأمم المتحدة، انخفضت بموجبه نسب الاستقطاع إلى 5% من عائدات النفط، والمنتجات النفطية، والغاز المصدر من العراق، الذي تودع أقيامه في هذا الصندوق، الذي هو عبارة عن حساب مصرفي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بعد أن تم بموجبه تحويل بقايا مبالغ مذكرة التفاهم، وأية أرصدة عراقية مجمدة بموجب إجراءات الحصار، وجرى تحريرها من المصارف الدولية. الشيء الذي تبدل في هذه المرحلة، مقارنة بمرحلة مذكرة التفاهم، أن عوائد النفط انتقلت من المصرف الفرنسي إلى المصرف الأمريكي، وان التصرف بها انتقل من يد الأمين العام للأمم المتحدة إلى المجلس الدولي للرقابة والإشرافIAMB))، وهو لجنة مؤلفة من ممثلين من الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة العربية، وممثل لوزارة المالية العراقية، وبذلك، فإن الحماية على أموال العراق، من دعاوى الدائنين التجاريين القضائية، ممن لم تجر تسوية مديونيتهم مع العراق بموجب اتفاق نادي باريس، لا يمكن لهم إجراء الحجز القضائي على تلك الأموال، بموجب هذه الآلية الحمائية، وهو أمر جاء امتداداً لما كان عليه حساب مذكرة التفاهم.ومن الجدير بالذكر أن لجنة الأمم المتحدة للتعويضات (UNCC)، الذي تنظر بمطالبات التعويض عن الأضرار لأولئك الذين تكبدوا خسائر بسبب غزو العراق للكويت عام 1990، ولغاية 29 نيسان 2011 أقرت منح مبلغ32.2 مليار دولار لأكثر من 1.5 مليون مطالبة مقبولة من اللجنة المذكورة للأفراد والشركات والحكومات والمنظمات الدولية والدول المتضررة بسبب الغزو العراقي للكويت، من أصل 3 مليون مطالبة.إن خروج العراق من الفصل السابع يعني انتهاء الحماية الاميركية على اموال العراق وكشفها للكم الهائل من لتلك الدعاوى والمطالبات، وعلى الحكومة العراقية هنا القيام بتحرك جدي لاستباق كل تلك المطالبات والدعاوى المحتملة قبل انتهاء الحماية الاميركية على الأموال العراقية في منتصف العام المقبل.