زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الرابعة إلى طهران في الثامن من يناير/كانون الثاني كشفت عن الوجه الحقيقي لإيران البراغماتية، التي تبحث أولا وأخيرا عن مصالحها، حتى لو احترقت شعوب ودُمّرت بلدان. فإيران التي طالما اعتبرت العراق الرئة الاقتصادية لوجودها المحاصر، تضع اليوم شروطا واجبة التنفيذ على العراق الذي ما زال يحبو في عالم السيادة، وتدرك جيدا أن أي شرارة ستحرق هذا البلد وشعبه، لكن ذلك لا يهم.هو نظام الوصاية الذي تحاول أن تفرضه إيران على العراق، تلك الهيمنة على القرار العراقي التي وجدها البعض في زيارة السوداني إلى طهران، وكأنها تكريس لها واعتراف مبطّن بأن إيران هي صاحبة القرار السيادي في العراق. وكان الأفضل للسوداني إلغاء هذه الزيارة، لأنها شاهد عيان على الوصاية الإيرانية ورسائل سلبية إلى الجانب الأميركي الذي يرى ويسمع ما يدور في دهاليز السياسة بأن العراق ما زال يرزح تحت القرار الإيراني.
تغريدة علي خامنئي بالقول “الأدلة والشواهد تؤكد أن الأميركيين يسعون إلى تثبيت وتعزيز وجودهم في العراق، لذا يجب التصدي لهذا الاحتلال بجدّية” اعتبرها العراقيون فتوى لقتال القوات الأميركية في العراق، لاسيما أن هناك فصائل مسلحة تأتمر بقرارات ولاية الفقيه. فإذا كانت كذلك، فإن الأيام القادمة ستشهد اضطرابات أمنية وسياسية، خصوصا عند جلوس دونالد ترامب في البيت الأبيض بعد أيام قلائل.يبدو أن إيران تريد أن تكتب سيناريو يكون العراق فيه مسرحا للفوضى والاضطرابات التي قد تشعل المنطقة حربا تُشغل أميركا بها بعيدا عن نظامها السياسي المتهاوي
دونالد ترامب، الرئيس الأميركي الجديد في ولايته الثانية، والذي يتذكره العراقيون من شخصيته التي تتميز بتصرفات غير متوقعة، وفق نظرية العلاقات الدولية، وهو ما يعني أن على العالم، وتحديدا الشرق الأوسط، أن يستعد للمزيد من المغامرات الخطيرة والصفقات. فترامب الذي يراه العراقيون باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، وأبي مهدي المهندس، القائد في الحشد الشعبي، في ضربة نفذتها طائرة مُسيّرة قرب مطار بغداد في الثالث من يناير 2020. وترامب الرئيس الذي حضر ليلة أعياد الميلاد برفقة جنود أميركيين في قاعدة عين الأسد في الأنبار عام 2018، حيث زار الرئيس الأميركي في ولايته الأولى العراق دون أن يزور المنطقة الخضراء أو يلتقط الصور مع مسؤوليها، دخل وغادر بدون أن تعلم حكومة عادل عبدالمهدي، لم تعلم إلا من خلال وسائل الإعلام.
ها هو ترامب يعود في ولايته الثانية، وهو يعتبر العراق دولة شرق أوسطية غنية استولت عليها إيران على طبق من ذهب في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وحان الوقت لتغيير المعادلة.نشرت مجموعة عمل إستراتيجية الشرق الأوسط المنبثقة من المجلس الأطلسي تقريرها في عام 2016، تحدثت فيه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت ومستشار الأمن القومي الأسبق ستيفن هادلي. تضمن التقرير رؤية لمستقبل الشرق الأوسط ومنها العراق، حيث رأى تقرير المجموعة أن على الجيش الوطني أن يتولّى زمام المبادرة في هزيمة داعش، فربما يؤدي ترك هذه المهمة للميليشيات الشيعية إلى تسريع دوامة السقوط في العراق، ويجب أن تُركّز الحكومة العراقية مرة أخرى مع الدعم الخارجي على المصالحة وتحقيق الاستقرار. يستلزم هذا الأمر تلبية الاحتياجات الإنسانية والتغلب على التوترات الطائفية واستعادة الحكم المدني الفاعل، وتحفيز الانتعاش الاقتصادي في المناطق المحررة. وتضمّن التقرير مطالب بردع التدخل الإيراني في العالم العربي، مؤكدا ضرورة أن يطمئن أصدقاء الولايات المتحدة وشركاؤها إلى أنها تُعارض الهيمنة الإيرانية وتعمل معهم لمنعها، حيث ستعمل أميركا وأوروبا وشركاء آخرون مع دول المنطقة لزيادة جهودهم المشتركة من أجل مواجهة التحديات الجيوسياسية العاجلة للسلام في المنطقة، مما يؤدي إلى شرق أوسط أكثر استقرارا وشمولا بحسب التقرير.
يبدو أن إيران تريد أن تكتب سيناريو يكون العراق فيه مسرحا للفوضى والاضطرابات التي قد تشعل المنطقة حربا تُشغل أميركا بها بعيدا عن نظامها السياسي المتهاوي. كان الأفضل للفاعل السياسي أن يتخذ قراره السيادي بعيدا عن مصالح الإيرانيين الذين لا يهمهم حتى لو احترق العراق.خاتمة الزيارة التي قام بها السوداني إلى طهران، يراها الأغلب من العراقيين أنها لا تبشّر بقادم الخير من الأيام، خصوصا مع تلميحات وتأكيدات إيرانية أن لا مناص من مواجهة الفصائل المسلحة مع القوات الأميركية المتواجدة على الأراضي العراقية… وذلك هو التحدي الذي يؤدي إلى الانهيار.