يعتبر التصوّف، الذي يعود تاريخه للقرن الهجري الثاني، حركة اسلامية مهمة يمكن تلمّس جذورها لدى الأشخاص الذين يقترب نمط سلوكهم الحياتي من سلوك النبي (ص) ومن توجهاته في الحياة، الأمر الذي كشف عن السبب الكامن وراء عدم قدرة كبار المفكرين على إقصاء كل التأثير الذي شكَّلته قوة هذه الحركة وثرائها المعرفي، بل إنَّ العديد منهم قد أبدى أعجابه بها.
مثال على ذلك يرى أصحاب الاتجاه الظاهري أنَّ الإشارة في الأية 40 من سورة التوبة ﴿ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَاۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾( التوبة: 40) هي مجرد إحالة موضوعية تاريخية لاغير. فهم يعتقدون أنَّ الآية الكريمة تشير الى المواجهة التي حصلت بين النبي (ص) وأعدائه ولأنَّ النبي محمد (ص) قد اختبأ مع أبي بكر في الكهف فقد بعث الله الملائكة لنصرته. كما أنَّ الآية ذاتها تشير للملائكة التي نصرت المسلمين في معركة بدر ما أدى الى هزيمة الكافرين.
أما من منظار المتصوّفة في التفسير، فهذا الجيش اللامرئي هو لطف الله وعونه الخفي للعارفين به لمنعهم من فقدان طريقهم العرفاني في الوصول اليه. أنَّه تماماً بمثابة جيش من الصبر والتوكل، هذا مضافاً لتضمن الآية الكريمة معنى منح النبي (ص) تلك الطاقة اللامحدودة من الجَلَد في أوقات الشدة، وهذه يعني أنَّ العارفين بالله في حرب مع الخطايا والمغريات والمطامح وأنَّهم ربما ينهزمون، لهذا يرسل الله لهم مدداً روحياً لنصرتهم.
ففي التفسير الصوفي لا يحاول المفَسِّر اكتشاف وتوضيح العلاقة بين النص المقدس والعالم الواقعي، فهو لا يهتم بالنظام التسلسلي للأحداث ولا بالترابط اللغوي بينها، بل ينصب جهدُه في محاولة شرح معنى الآية بناء على تجاربه الدينية والداخلية (الجوّانية) فقط. مثال على ذلك وجود الكثير من التفسيرات للآيات الكريمة من الأولى حتى العاشرة من سورة النجم والتي ينبثق منها سؤالٌ حاسمٌ يتعلق بمعنى (النجم) في الآية الأولى. وكما يقول الإمام جعفر الصادق( المتوفى عام 148 هـ/ 765 م وهو الإمام السادس من أئمة الشيعة) أنَّ معنى النجم هو المكان الذي يُودِع الله به الالهام( الوحي) في قلوب ذوي البصائر( من الخلق).
ولهذا يحمل هذا النوع من التفسير جَنبة لاعلاقة لها بالواقع التاريخي بل تتضمن بُعداً يتجاوز التاريخ، ومن خلال استبعادهم لعلاقات الأحداث الواقعية بالعام الخارجي، تمكن المتصوفة أنْ يشّكلوا رؤيتهم التفسيرية بحرية مطلقة. واذا اعتبرنا أنَّ النص المقدس منظومة من الإشارات فمنتهى سعي الصوفي هو البحث عن مداليل تلك الإشارات بغض النظر عن الوقائع الموضوعية المرتبطة بها. لهذا ليس هنالك معنى ثابتٌ كون الجزء المخفي الباطني من التفسير مضموماً ومندمجاً بدلالة الإشارة اللغوية، التي تُعد جوهر الآية، والتي يمكن أنْ تتنوع تبعاً للتجربة الداخلية للصوفي. وعبر التقليل من دور الأحداث الواقعية يدخل المفسِّر في مضمار سريالي يمكنه من خلاله أنْ يُسهم في خلق المعنى بل يمكنه أنْ يخلقه بكليته بالفعل.
وخلافا لمناهج المفسرين الشكلانييين، لا يسعى المتصوّفة للعثور على المعنى الباطني فحسب، بل يشرحون ذلك المعنى بلغة تختلف عن تلك التي يتعاطاها المفسرون المهتمون بالمعنى الظاهري للقرآن. ويرى المتصوَّفة أنَّ ايجاد المعاني اللغوية والخلفية التاريخة للآيات يمكن أنْ يكون مجدياً لعامة الناس، لكنَّه لن يكن مقنعاً للخَواص (النخبة) منهم. لقد أضاف المتصوَّفة بعداً شخصيا للتفسير التقليدي، وقد تسببت شخصنة التفسير في خلق مساحة من الحرية والذاتية لحقل التفسير، وذلك السبب هو الذي أخاف وما زال يثير خوف أتباع المنهج التقليدي في التفسير.
يقوم المفسرون التقليديون بشرح إشارات النص المقدس آخذين بنظر الاعتبار موضوعية النص والإحالات الخارجية. أمَّا منهج المفسرين المتصوَّفة فيتشكل،علاوة على ذلك، بالاعتماد على ذهنية المفّسر، وهي ثمرة ونتاج حالات الإلهام الربانية (التي يتلقاها).
لم يقتنع المتصوّفة بمجرد الاعتكاف في المسجد والإكثار من الصلاة منعزلين عن الواقع كونهم من بين الشرائح المفكرة في المجتمع وليس من الناس العاديين، كما أنَّهم يسعون لنشر لغة التصوَّف والتي يسمونها (لغة الحقيقة). لقد بدؤوا بعملية إصلاح للغة بغية كسر السلطة الحصرية للمفسرين التقليديين، مقررين وبشكل حاسم أنَّ أولئك الذين يفهمون الحقيقة المتفردة للتصوَّف هم وحدهم العلماء المؤهلون لفهم القرآن بشكل صحيح. لهذا أصبحت لغة التصوَّف بمثابة آلة الحرب ضد قيود الشكل اللغوي وسلطة علماء الكلام، وذلك من خلال تفكيكهم للصيغ النحوية. وقد أطلق الإمام جعفر الصادق(ع) على هذا النوع من التفسير بالاستنباط وهو يشبه عملية إستخراج الماء من الينبوع أو استنباط الحقيقة من قلب العارف.
وفي مثال آخر من أجل التوضيح، حين كلم الله موسى(ع) موجها له السؤال التالي: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ. قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا …﴾( طه: 17 -18) ما يثير الفضول هو السؤال الموجه من قبل الله لنبيه موسى. ألاَ يعلم ما الذي يمسكه الأخير بيده؟ لقد قدَّم معظم المفسرين معلومات تخص هذه المسألة معتبرين أنَّها قضية بلاغة ليس إلّا ولديهم اسبابهم لتوضيح اسلوب تواصل الله (مع البشر). فالطبري( ت 310 هـ/ 923 م)، على سبيل المثال، يبين أنَّ الله أراد إزالة الخوف عن موسى(ع). غير أنَّ للمتصوِّفة تفسيرهم المختلف لهذه الآيات، فهم يقولون إنَّ عصا موسى هي اشارة للاعتماد على الآخر. ويُعتبر موسى نفسه في التفسيرات الصوفية رمزاً للإنسان الإلهي الكامل. يقول الحسين بن منصور الحلاج( ت309 هـ/ 922م) لقد أراد الله أنْ يُنذر موسى بخطورة الاعتماد على الآخرين ويظهرله أنَّ كل استعانة بغير الله ليست سوى عونٍ مزيفٍ وخطيرٍ، ولهذا مَثًّل له العصا بالحيَّة. بعد ذلك، أمدَّه الله بالأمان طالباً منه ألّا يخاف من العصا وأنْ يلقي بها جانباً. ويتضمن هذا التفسير نقداً لاعتماد العلماء على علمهم والتكبُّر الذي يشعرون به جرّاء ذلك.
لقد استفاد المفسرون المتصوفة، بشكل أو آخر، من اتجاه في التفسير يُشبه لغة التشفير أو المجاز، وهو اتجاه مألوف في تفسير الكتاب المقدس. ووفقا لهذا الاتجاه، من الشائع استعمال خصائص الكلمات متعددة المعاني، ومن التعابير المجازية لتوسيع الأفق الدلالي( للكلمات). وفي مثل هذه الحالة تصبح الكلمة إشارة لشيء آخر اعتماداً على أوجه الشبه بينهما أو تستخدم دلالات مختلفة لنفس الكلمة، وهو اتجاه في التفسير كان قد أدركه المعتزلة من قبل. علاوة على ذلك، أنَّ التفسير الصوفي قد أدخل قوة بيانية وتوضيحية هائلة للدراسات التفسيرية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أرسى المتصوّفة المعتدلون، كأبي القاسم القُشيري ( ت 405 هـ/ 1072 م)، تفسيراتهم الصوفية على المعاني الضمنية للترادف اللغوي أو التورية أو المجازات المرسلة، لهذا كان من السهل فهمها. ومن الممكن جدا توضيح الفرق بين التفسير التاريخي والتفسير اللغوي اعتماداً على النظرية التأويلية لحكيم الترمذي (ت300هـ/ 912 م) وعبد القاهر الجرجاني ( 471هـ/ 1078م). لقد قدم عبد القاهر الجرجاني نظرية الأبعاد الدلالية وتعدد المعاني( بمعنى استخدام كلمات تكتب بنفس الشكل لكنَّها تحمل معاني مختلفة) معبداً الطريق لشيء يتجاوز التفسير التاريخي للمعرفة القرآنية. وقد بين الترمذي أنَّ أيَّة كلمة يمكن أنْ تحمل معاني متعددة آخذاً بنظر الاعتبار ظاهرة تعدد المعاني، الأمر الذي أضاف غنى وثراءً كبيراً لنصوص التفسير. مثال على ذلك كلمة ( النور) التي استخدمت في القرآن بعدة معانٍ من بينها ( كلمات الله) و (وجود الله) و ( النبي محمد) و (الحكمة) أو (جبرائيل). ويوجد ثمانية عشر معنى مختلفاً لكلمة (النور) في تفسير (كشف الأسرار) وكلها معانٍ موثوقة. لقد ألَّف الحكيم الترمذي كتاباً بهذا الخصوص محاولاً فيه إثبات أنَّ المفّسر يسافر من الطبقة الظاهرية للمعنى الى دلالات ومضامين مختلفة للكلمة مفضلاً معنى واحدا باعتبار سياق الكلمة، وموقف المفَّسر الشخصي من ذلك. ولهذا تكون رحلة المفَّسر من ظاهر اللغة نحو جوهرها وبالعكس. مضاف لذلك، أنَّ عبد القاهر الجرجاني قد أبرز أهمية السياق في تحديد المدلول وأثبت أنَّ فك شيفرات التعابير المجازية يتم من خلال اعتبار مجمل النص المقدس بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع لوحة فنيّة باعتبارها مزيجا من الخطوط والألوان، وأنَّ جودة تلك اللوحة نتاج التفاعل بين كل عناصرها مجتمعة. ومن خلال تقديمه لنظرية النظم ( الترابط اللغوي) والسياق، سلَّط الجرجاني الضوء على مبنى النص القرآني ومعناه مشدداً على أهمية السياق في تفسير مجازات القرآن وتعدد المعاني فيه. لقد أحدثت أفكاره تحولات مدهشة في نظرية الهرمونطيقا (التأويل) الإسلامية لأنَّه شدد على أننا لانستطيع تقييم الكلمة بمعزل عن سياقها والنص الذي وردت فيه.
ووفقا لنظرية التأويل في تلك الفترة، فقد تم التأكيد على الفرق بين التفسير اللغوي التاريخي والتفسير المجازي والمتعدد المعاني، وهما اتجاهان مختلفان وبارزان في التفسير. وتحمل نظرية التفسير تلك الكثير من أوجه التشابه مع الأفكار التأويلية للفيلسوف الفرنسي بول ريكور ( ت 2005م). كما أنَّ النظرية التأويلية التي قدمها ريكور تحمل تشابها كثيراً بالأفكار التفسيرية لعبد القاهر الجرجاني. وحسب نظرية ريكور، أنَّ الشرط الأكثر أهمية للابتكار في الجمل هو توظيف خاصية تعدد المعاني التي تتسم بها الكلمات. ومن خلال رمزية الإشارة اللغوية، يمكن تحديد مديات المعنى الذي تحمله الكلمة. إنَّ علم رموز الكلمات يحدد بُعْد الكلمة وحقلها. وهو في حقيقة الأمر يحدد السِمة الدلالية للكلمة في نظام اللغة. غير أنَّ ريكور يؤمن، شأنه شأن الجرجاني، أنَّه لا يمكن فك شفرة الكلمة ما لم توضع في سياقها النحوي داخل الجملة، ثم في إطار السياق الكلي بشكل عام. إنَّ المعنى الجديد للكلمة ضمن سياق معين هو نتاج التفاعل بين الحقول الدلالّية. بمعنى آخر كأنَّ الحقل الدلالي في النص بمجمله يحل بديلا عن حقل آخر. وفي مثال النبي موسى(ع) تعتبر العصا مجالاً دلالياً للتفسير التقليدي حسب سياقها شبه التاريخي وهي تشير الى حقيقة أنَّ موسى كان راعياً، كما تشير لحادثة لقائه بالسحرة. أمَّا في المجال الدلالي الثاني فموسى(ع) عبارة عن شفرة لغوية تدل على أي قديس يقلل بشكل تدريجي إعتماده على الأسباب المادية في مساره الروحي. لهذا يتم استبدال إشارات لغوية بأخرى بغية خلق سياق دلالي جديد. ففي السياق الدلالي الأول، كانت عصى موسى اشارة للخوف من السحرة، أمَّا في السياق الثاني فهو لخوف موسى نفسه.
ونحن في التفسير اعلاه مفصولون عن النواحي التاريخية للقصص القرآني، متجاهلو الزمان والمكان والمؤشرات الموضوعية الأخرى منخرطون في حيَّز ذاتي للتفسير. ومع ذلك لا يزال من الممكن توضيح العلاقة بين المجالين الشخصي والموضوعي من خلال أدوات الاتجاه العقلاني. ويمكن أنْ نجد أوجها للشبه بين العصا وأي نوع من العون عبر التفاعل العقلاني.
وفي مثل هذا النوع من التفسير لا نزال نعتمد على القياس والتشابه اللذين يعملان كإشارات تقودنا للمعنى المطلوب. وكما رأينا فقد كانت العصا إشارة للعون بأي شيء سوى الله، غير أنَّ هذه الطريقة غير كافية للتعبير عن التجربة الدينية ونقلها، وهي نوع من التجربة التي يبدو من الصعوبة، بل من الاستحالة ايصالها للآخرين، كونها تعكس العالم الباطني للأفراد. لايمكن للغة المجاز وحدها أنْ تكون كافية لهذا الغرض. نحن لا نعني التقليل من قيمة قوة التفسيرات البيانية والمجازية للقرآن وأهمية دورها في تطور المعرفة القرآنية. أمَّا في مجال التجربة الروحية، فيبدو أنَّ الاعتماد على التشابه ونظريات القياس اللغوي غير كاف، والسبب في ذلك أنَّ هذه النظريات لا تزال مستغرقة في حيثيات العقلانية والموضوعية، ولهذا لاتترك مجالا لذهن القارئ لأنْ يتوسع في الفهم. لقد كسر المتصوَّفة قواعد اللغة التي تعتمد على العقلانية والتقليد اللغوي، محاولين خلق حوار أكثر مرونة واتقاداً بالحماس والعاطفة. لقد تطلب الأمر سلسلة من النصوص( الخطاب) لتحليل جميع المجازات اللغوية وجماليات النص، التي استخدموها لكسر قواعد اللغة المألوفة، ولكي نقدم مثالاً على ذلك، علينا دراسة تفسير كلمتي ( الْبَرِّ) و(الْبَحْرِ) في الآية الآتية:
﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ…﴾( يونس: 22)تشير كلمة الْبَرِّ في التفسير الصوفي الى أفعال التقوى والعبادة، بينما يعتبر البَحْر رمزا للفرح والنشوة، وهو يشير الى أعلى مستويات التجربة الصوفية.
لقد أولى المتصوفة محلاً عالياً للتجربة الروحية، الغير قابلة للتفسير، في سياق اللغة، وقد أسهم ذلك في توسيع مجال اللغة بشكل كبير. ويدخل الصوفي، في قراءته للقرآن، الى طبقات دلالية أعمق للنص المقدس لايمكن بلوغها من خلال الفكر العقلاني، لأنَّ هذا المجال ذو ابعاد مختلفة للإدراك وهو نتاج اللإلهام والتأمل. وفي هذه الحالة لا يستخدم الصوفي المجازات والتوريات عن قصد فحسب، بل هو لايتجاوز الدال للمدلول ولا ينتقل من النص المقدس لأدراك المعنى من خلال المحاكاة، إنما يُلقى اليه معنى النص المقدس عبر الكشف والإلهام وبطريقة مدهشة.
ويوجد عدد هائل من الأمثلة لهذه التفسيرات الصوفية خصوصاً مايتعلق منها بالحروف المقطعة في بداية السو رالقرآنية. وبما أنَّ تشكيل اللغة هو نتاج الإشتراط الصوفي، لهذا نجد تعويماً مطلقا للمعاني لدى المتصوَّفة يتطلب إدراك تفسيرها دائرة تأويلية، وهي نوع من الدوائر تجعل من المستحيل إستنساخ تجربة الصوفي إلّا بالطريقة التي يريدها هو. إنَّ غرض الصوفي وغايته حين يقرأ ويفَّسر تتخذ مسلكا ثابتاً غير أنَّ من المستحيل علينا بلوغ ذلك. لذلك تصبح عملية التفسير والإدراك لتلك النصوص الرفيعة ممكنة فقط حين نتجاهل نيّة المؤلف ونحاول ممارسة دورنا في لعبة الابتكار هذه. وبالتالي، يمارس الصوّفي لعبة خطرة، من خلال تشكيل اللغة وتفسيرها، تقود بالنهاية الى نوع من التفسير للقرآن في غاية السمو والتعقيد. لقد عبّدت لغة أولئك المفسرين الطريق لأنواع من الإبداع كتلك التي تجلت في أعمال جلال الدين مولوي ( الرومي) (ت 672هـ/ 1273 م) وابن عربي (ت 638هـ/ 1240 م). أنَّهما يدينان بقدر كبير من مفرداتهما للتفسيرات الصوفية للقرآن وكتابات المتصوِّفة في الماضي. فعلى سبيل المثال، يبين ابن عربي في تفسيره للحرف الأول ( الألف) في لفظ الجلالة (الله) أنَّه رمز لاستقلالية الله وغناه، لأنَّ هذا الحرف غير مرتبط بأي حرف آخر في تلك الكلمة. لهذا يقترح ابن عربي أنَّ حرف الألف هو رمز لغنى الله (عن العالمين)، فهو غير معتمد على أي مخلوق آخر، بينما جميع المخلوقات مفتقرة اليه. وتعود هذه الفكرة بشكل أساسي الى تفسير الحلاج لـ ( بسم الله) والتي ظهرت في كتاب حقائق التفسير للسُلمي.