العراق والعطش القادم: حين تغيب الدولة وتحضر الفوضى

العراق والعطش القادم: حين تغيب الدولة وتحضر الفوضى
آخر تحديث:

بقلم: جمعة سلمان

يعاني العراق، كما بقية دول المنطقة، من آثار الاحتباس الحراري وتغير المناخ، إضافةً إلى ضعف إمدادات المياه من دول المنبع. ومع مرور الوقت، تحولت هذه الظاهرة إلى تهديد حقيقي للزراعة ومن ثم إلى خطر مباشر على حياة الناس.غير أن التعامل الرسمي مع الأزمة ظل ضعيفًا، إذ لم تُظهر وزارة الموارد المائية أنها جهاز فني ومهني قادر على مواجهة التحديات. فالوزارة اتخذت في الغالب طابعًا سياسيًا أكثر منه عمليًا؛ فهي تكتفي بالشجب والتنديد أو التصريحات الإعلامية،

بينما تقف عاجزة عن تقديم حلول واقعية أو بدائل استراتيجية.في عهد حكومة السوداني، ازدادت الصورة قتامة، حيث فشلت الوزارة حتى في الإجابة عن أسئلة الناس حول سبل مواجهة أزمة المياه. انحصر عملها في ردم بحيرات وآبار صغيرة، واعتبار ذلك “منجزًا”، بينما تغيب المشاريع الكبرى القادرة على معالجة انحسار المياه من دول الجوار أو نضوب المياه الجوفية.ورغم الحاجة الماسة إلى سدود وأحواض مائية عملاقة لتخزين المياه وتدويرها نحو الأهوار والبحيرات، إلا أن الوزارة ما تزال ترفض مناقشة هذه الخيارات. حتى الحديث عن سد على شط العرب يُواجه بالتسفيه والاستهانة، من دون أي شرح فني يوضح الصعوبات أو يطرح بدائل واقعية.

من بين الوزراء السابقين، برز الدكتور حسن الجنابي بطرح مشروع طموح لفتح قناة من الخليج العربي نحو عمق الصحراء العراقية، مشروع كان يمكن أن يخدم أغراضًا مائية وزراعية وصناعية وسياحية، ويتيح نصب مشاريع تحلية على طول القناة، فضلًا عن استخدامه لنقل النفط والبضائع. غير أن هذا المشروع العملاق جُمّد، وانكفأت الوزارة لتتحول إلى عبء آخر على الدولة مثل بقية الوزارات غير المنتجة.أما في البصرة، فرغم المعاناة الطويلة، لم تفلح الوزارة أو الحكومات المحلية في إنجاز مشروع تحلية متكامل، على غرار ما فعلته دول الخليج وإيران وحتى السعودية، التي جعلت من التحلية خيارًا استراتيجيًا. بدلًا من ذلك، ابتُلِيَت البصرة بمشاريع صغيرة مثقلة بالفساد والمزايدات الحزبية، لا ترقى إلى مستوى حاجة الناس ولا تكلفتها المعلنة.مفارقة مؤلمة تتكرر: في زمن الدكتاتورية كما في زمن الديمقراطية، بقي أهل البصرة بلا ماء صالح للشرب، بينما يشرب السياسيون “مياه معدنية مستوردة من فرنسا وإيطاليا”، ويذرفون دموعًا على معاناة الناس في خطاباتهم، كما ولاة البصرة ومن سبق ومنذ الاحتلال القرشي وللان يخترعون روايات الخراب والعطش والدمار للبصرة بينما صحراء الخليج تحولت لقصور وجنان.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *