خرق تواقيع الرئاسات الأربع: ازدواجية القرار في الدولة العراقية
آخر تحديث:
بقلم: أياد الناصري
في خطوةٍ كانت من المفترض أن تعكس جدية الدولة في تنظيم العملية الانتخابية ومنع التوظيف السياسي للمؤسسات، أصدرت الرئاسات الأربع في العراق (رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، رئاسة البرلمان، ورئاسة مجلس القضاء الأعلى) بيانًا رسميًا مشتركًا، تضمّن في فقرته الأولى إيقاف التعيينات في مؤسسات الدولة إلى ما بعد الانتخابات. غير أن ما حصل لاحقًا ضرب جوهر هذا الالتزام في الصميم، إذ بادرت رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية إلى إصدار أوامر رئاسية ووزارية بتعيين 93 سفيرًا دفعة واحدة، في خطوة مثيرة للجدل، لا تخرق فقط البيان المتفق عليه، بل تطرح تساؤلات جدية عن مدى احترام هذه الجهات لما وقّعت عليه بأيديها. البيانات التي لا تُحترم تفقد قيمتها: إن توقيع الرئاسات الأربع على بيان مشترك يفترض أن يكون بمثابة وثيقة سياسية ملزمة، تمثل إرادة عليا للدولة، لا ورقة إعلامية قابلة للتجاهل. حين تُصدر جهتان من أصل أربع قرارات تتناقض جذريًا مع البيان، فهذا يعني أحد أمرين: 1. إما أن الاتفاق لم يكن جديًا من الأساس، وكان مجرد إجراء شكلي لاسترضاء الشارع. 2. أو أن هناك تفككًا داخل بنية الدولة، وانعدامًا للانسجام حتى في أعلى مستويات القرار. وفي كلا الحالتين، تكون النتيجة واحدة: إضعاف ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها، وتكريس مبدأ ازدواجية المعايير. الرسائل السياسية وراء تعيين 93 سفيرًا: لا يمكن فصل هذا الكم من التعيينات الدبلوماسية عن السياق السياسي العام. فتسمية السفراء تُعد من أكثر التعيينات حساسية، وغالبًا ما تُستخدم في توزيع النفوذ، أو مكافأة شخصيات محسوبة على أطراف سياسية نافذة. وبالتالي، فإن تمرير هذا العدد الضخم من التعيينات في هذه المرحلة الزمنية يثير شبهات قوية حول وجود صفقة سياسية أو محاصصة مضمرة، لا علاقة لها بمصالح الدولة العليا. غياب المساءلة… وتكريس اللاجدية: الخطير في هذا التجاوز أنه لم يقابَل بأي مساءلة علنية أو رد فعل رسمي من الرئاسات الأخرى أو الجهات الرقابية. لم نسمع حتى الآن توضيحًا للرأي العام من رئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية، يبرر هذا الخرق أو يعترف به. وكأن الأمر لا يستحق التوقف عنده، أو أن توقيع الرؤساء على بيانات مصيرية أصبح إجراءً لا يُلزم أحدًا!خاتمة: هل الدولة أكبر من التواقيع؟ إذا كانت الرئاسات لا تلتزم بتواقيعها، فمن يُنتظر منه أن يحترم القانون؟ تحتاج الدولة العراقية إلى إعادة ضبط علاقتها مع مؤسساتها الدستورية، وتحديد من يملك القرار، ومن يراقب، ومن يُحاسب.أما الاستمرار في إصدار بيانات لا تُحترم، وتجاوز قرارات تُعلن باسم “القيادة”، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من فقدان الثقة، ومزيد من الفوضى السياسية والإدارية، في وقتٍ لا يحتمل فيه العراق مزيدًا من التشظي والانقسام